
لندن- مركز دراسات عربستان الأحواز- حامد الكناني- تعد هذه المجموعة من الوثائق الصادرة عن القنصلية البريطانية في المحمرة عام 1958، واحدة من المصادر الدبلوماسية المهمة التي توثق الوضع السياسي والاجتماعي في الأحواز خلال فترة ما بعد انقلاب العراق وعقب أزمة السويس. تتناول الوثائق بشكل رئيسي ثلاث محاور متشابكة: التوترات السياسية المحلية، العلاقات بين السلطات المدنية والعسكرية، وواقع الأقلية العربية في الإقليم، مع التركيز على تأثيرات القومية العربية والدعاية القادمة من الجمهورية العربية المتحدة والعراق.
تتضمن الوثائق مراسلات سرية بين القنصل البريطاني والمصالح البريطانية في إيران، وتفاصيل الاجتماعات واللقاءات مع المسؤولين المحليين، بما في ذلك الحاكم العام صمصام بختيار وعمدة المحمرة والقنصل الأمريكي. وتشير إلى المخاوف البريطانية من احتمالية انتشار الاضطرابات السياسية بين السكان العرب، خاصة في ظل الروابط القوية مع العرب في جنوب العراق واستجابة جزء من السكان لدعوات القومية العربية التي كان ينشرها جمال عبد الناصر والإذاعات الإقليمية.
إحدى الرسائل، المؤرخة في 6 آب/أغسطس 1958، تركز على الاجتماعات العسكرية بين المسؤولين المحليين، ومناقشة احتمال فرض حكم عسكري على الأحواز، وتوضح الموقف البريطاني تجاه أي تدخل محتمل في الشؤون الداخلية للإقليم. أما الرسالة الثانية، المؤرخة في 14 آب/أغسطس، فتعرض دراسة تحليلية للوضع الاجتماعي والاقتصادي للعرب في الأحواز، مسلطة الضوء على الفقر المدقع، وغياب الخدمات الأساسية، وانخفاض مستوى التعليم والصحة، مع توضيح تأثير ذلك على المواقف السياسية والقدرة على التعبير عن الرأي. كما تتضمن الوثيقة مجموعة من المقترحات البريطانية للحد من انتشار القومية العربية، مثل تحسين الخدمات في القرى، والسماح ببعض الوظائف للعرب، وإنشاء وسائل إعلام محلية ناطقة بالعربية.
تمثل هذه الوثائق مصدرًا فريدًا لفهم التوازنات السياسية والإثنية في الأحواز عام 1958، وتوضح كيف تعاملت القوى الغربية مع الشعب الأحوازي في سياق مخاوفها من القومية العربية والتأثيرات الإقليمية الناشئة بعد الانقلابات والأزمات في العراق ومصر. كما تقدم رؤية واضحة للعلاقات بين السلطات المدنية والعسكرية، وطبيعة تدخل الدبلوماسية البريطانية في الشؤون الإيرانية على مستوى مراقبة الأمن الداخلي وحماية مصالح الشركات النفطية.
القنصلية البريطانية – المحمرة
14 آب/أغسطس 1958
سري للغاية
خلال رسالتي رقم 8 بتاريخ 31 تموز/يوليو، أشرت إلى السكان العرب في الأحواز، وتطرقت لاحقًا إلى هذا الموضوع الحساس في رسالتي بتاريخ 31 تموز و7 آب/أغسطس. وفي هذه المذكرة، أود أن أقدم تحليلاً أكثر تفصيلًا لهذه المسألة الأقلية، مع بحث ما إذا كان يمكن أو ينبغي لحكومة صاحبة الجلالة البريطانية أن تلعب دورًا في توعية هذا الجزء من السكان الإيرانيين حول وجهة النظر الغربية وأهداف السياسة البريطانية على وجه الخصوص.
تقدّر أعداد العرب في الأحواز، الذين يغلب عليهم المذهب الشيعي، بما بين 700,000 و800,000 نسمة من أصل نحو 12 مليون نسمة إجمالًا. تتركز أكبر التجمعات العربية في المحمرة (حوالي 45,000)، شاردغان (60,000)، سهل ميسان (40,000)، والخفاجية (40,000)، مع العلم أن معظم العرب يعيشون في القرى الواقعة على ضفاف نهر كارون والأنهار والأودية الأخرى في الإقليم. وفي هذه القرى، لا يتحدث السكان إلا العربية، ولا يفهمون الفارسية. أما في عبادان ومدينة الأحواز، حيث توجد بعض الأسر العربية، فإن غالبية العرب قادرون على التحدث بالفارسية وفهمها، رغم أن التداول اليومي في الأسواق غالبًا ما يكون بالعربية.
تعيش هذه المجتمعات العربية في ظروف بالغة الصعوبة. فالقُرى تفتقر إلى المدارس والخدمات الطبية والكهرباء والطرق، ولا توجد أي صناعات سوى الزراعة، ويصنع السكان منازلهم من الطين وتكاد الصرف الصحي يكون معدومًا. خلال فصل الشتاء، ومع هطول الأمطار، تنقطع القرى عن العالم الخارجي لفترات طويلة، وتقتصر الحياة على القرويين الذين يديرها عادة رئيس القرية. الزراعة هي المصدر الوحيد للرزق، وتظل الظروف الزراعية صعبة رغم استخدام مضخات المياه الحديثة في بعض القرى. فرص العمل محدودة، وغالبيتها في الأعمال الشاقة بالمدن، مثل حمل البضائع في ميناء المحمرة، أما في الوظائف الحكومية، فلم يحصل أي عربي على موقع مسؤولية حقيقية في شركات التشغيل، على الرغم من وجود بعضهم في وظائف بسيطة. بعض الشيوخ المحليين أعضاء في المجالس البلدية، مثل رئيس مجلس المحمرة، إلا أن نفوذهم الفعلي محدود، وفي أوقات الضغوط أو التوتر، يكون من غير المرجح أن يتمكنوا من قيادة الجيل الشاب بفعالية.
في هذا السياق، يصبح من الضروري فهم موقف العرب في الأحواز اليوم. قبل الأحداث الأخيرة في العراق، وباستثناء فترة أزمة السويس، لوحظ خلال السنوات الثلاث والنصف التي قضيتها في الأحواز أن السكان العرب كانوا خاضعين، وإن بدرجات متفاوتة من الاستياء، للحكومة المركزية. وكانت سيطرة الحكومة على الإقليم كاملة، حيث أزيلت الأحكام العرفية فقط في شباط/فبراير 1957. خلال أزمات مثل أزمة السويس، أبدى العرب بعض المعارضة، إذ شهدت الأسواق والموانئ مظاهرات محدودة مؤيدة لجمال عبد الناصر، وهو ما أظهر استعداد السكان للتعبير عن آرائهم السياسية عندما تمس مصالحهم مباشرة، على الرغم من أن معظمهم ظل بلا نشاط سياسي خلال فترات السلام.
مع عودة الهدوء بعد أزمة السويس، عاد العرب إلى موقفهم الهادئ، وكان اهتمامهم بالشؤون العالمية محدودًا. وعلى الرغم من أن دعوات القومية العربية التي نشرها عبد الناصر ربما وجدت صدى جزئيًا، إلا أن أغلب العرب ظلوا يعتمدون على إذاعة بغداد أكثر من إذاعة القاهرة للحصول على الأخبار. أما بعد الانقلاب في العراق، فقد أُتيحت لهم فرصة ثانية للتعبير عن آرائهم، ومع ذلك، لم تُسجل أي مظاهرات علنية لدعم حكومة عبد الكريم قاسم، إذ اقتصر الدعم على التعبير الشفوي البسيط. تحركت الحكومة المركزية بسرعة لنشر القوات في المناطق التي قد تشهد اضطرابات، وهو ما أوقف أي تفاقم محتمل. كما منعت جميع المظاهرات في المحمرة وأبادان، ومنعت الاحتفالات العامة خلال أيام العزاء في المحرم، ونُشر الجنود والبحارة المسلحون بأسلحة رشاشة وبنادق في الشوارع، ما أدى إلى فرض حظر تجول فعلي خلال يومي العزاء.
اليوم، يرى المراسل أن السكان العرب أصبحوا أكثر وعيًا بالدعوة إلى القومية العربية، وأنهم يميلون لدعم حكومة عبد الكريم قاسم في العراق، مع رغبتهم في رؤية تغييرات في الحكومة المركزية في طهران تتيح لهم فرص تقدم اجتماعي وسياسي. يستمعون إلى إذاعات بغداد والقاهرة ودمشق، ويتلقون بذلك دعايات ثورية، وقد أسهمت الإجراءات الحكومية المحلية، من حظر المسيرات واستدعاء الشيوخ، في زيادة القلق بين السكان وربما تفاقم المشكلة.
مع الروابط الوثيقة بين العرب في جنوب العراق والأحواز، من المؤكد أن السكان المحليين سيتأثرون بالدعاية القادمة من الجمهورية العربية المتحدة. فقد عُرضت على المراسل قبل يومين بروشور في سوق الأحواز يحمل صورة عبد الناصر، وتداولت الأخبار عن وجود مناديل حريرية تحمل صورته، كما توجد مدارس عراقية في الأهواز والمحمرة يعمل فيها نحو عشرين مدرسًا مؤيدين لنظام بغداد الجديد. ويُشاع أيضًا وجود محطة إذاعية سرية تبث إلى العرب في الأحواز.
أما بالنسبة لما يمكن فعله للحد من انتشار القومية العربية، فيقترح المراسل عدة توصيات، بعضها يقع ضمن مسؤولية الحكومة الإيرانية، ومنها:
إجراء تحقيق حكومي للتأكد من حالة الجفاف والجوع في القرى العربية، وتقديم المساعدات اللازمة، بما في ذلك توزيع البذور للزراعة القادمة.
وضع خطط لتحسين الحياة في القرى، مثل إنشاء فرق طبية متنقلة، وتوفير مدارس، وربما إنشاء مسالخ في بعض القرى.
التحقق من وجود عرب مؤهلين لشغل وظائف هامة في شركات النفط.
السماح للعرب بشغل وظائف حكومية محدودة مثل المراكز الإدارية في الجمارك.
إنشاء محطة إذاعية محلية تبث برامج بالعربية لسكان الأحواز، عبر محطة صغيرة في الأحواز أو عبر محطة شركة النفط الوطنية في عبادان.
إرسال وحدات سينمائية بريطانية متنقلة لعرض أفلام بريطانية مترجمة بالعربية في القرى، مع إمكانية استعارة وحدة من القنصلية العامة في البصرة إذا اقتضت الحاجة.
في الختام، اعتبر المراسل أن السكان العرب في الأحواز يشكلون مصدرًا محتملًا للاضطرابات، وأنهم سيصبحون أكثر عرضة للدعاية القومية العربية، بما قد يؤثر على شركات النفط، مع الإشارة إلى أن اندلاع اضطرابات فجائية غير متوقع، رغم أن بذور التوتر قد وُضعت بالفعل وقد تنمو في أي وقت.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.