صحيفة البلاد – محرر الشؤون المحلية: كثير من الدول تُؤسس أو تقام على مجموعة من الأساطير التي تحاول أن تقدمها للمجتمع الدولي ولمواطنيها على أنها حقائق تاريخية ووقائع فعلية. ولعل المطلع على كتاب المفكر الفرنسي الراحل “جارودي” الذي جاء بعنوان “الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل” يكشف عن حجم الأكاذيب والادعاءات التي ساقها الكيان الصهيوني لإقناع المجتمع الدولي واليهود في العالم بأحقيتها في الأراضي الفلسطينية. ولم يختلف الأمر كثيرا عما قامت عليه إيران، فالأكاذيب التي تمثل الأعمدة الراسخة التي أطلقها قادة إيران حول دولتهم جمهوريتهم سرعان ما تتكشف يوما بعد يوم، بدءا من التاريخ الذي يسجل خرافات فارسية وأحلام صفوية، مرورا بأسس الجمهورية الجديدة التي تأسست العام 1979 سواء فيما يتعلق باسمها، فالنظم الجمهورية نظم تعرف الديمقراطية وحرية تداول السلطة وحرية الإعلام والصحافة على غرار ما هو موجود في البلدان المتقدمة، أو فيما يتعلق بوصفها بـ”الإسلامية” في حين يساء إلى الصحابة رضوان الله عليهم على منابر هذه الدولة التي تدعي الإسلامية، وصولا إلى شعارات المقاومة والشيطان الأكبر والأصغر في إشارة إلى الموقف من الولايات المتحدة وإسرائيل على الترتيب.
كل هذه الأكاذيب والادعاءات التي تطلقها الدولة الفارسية الصفوية تحاول أن تقدم صورة خادعة إلى العالم بصفة عامة وإلى العالم العربي خصوصا، وهو ما قد لاقى قبولا من بعض المخدوعين في هذه الشعارات دون أن يدققوا في حقيقتها وأهدافها ومراميها.
واليوم يتجدد شعارا رفعته “طهران” بشأن حماية الأقليات، فقد تحدث دستورها وتشريعاتها عن دورها في الدفاع عن المظلومين والأقليات في العالم، ليمثل أسطورة جديدة ضمن الأساطير المؤسسة لدولة الملالي، فعمن يتحدث الدستور الإيراني؟ وعن من يخضع لتشريعات الدولة؟ هل يقصد بالأقليات ما هو موجود في مختلف دول العالم؟ أم يقصد بها الأقليات الموجودة داخل إيران؟ فإذا كان المقصود بها الأقليات في العالم فهذا يعنى تدخلا مرفوضا في شؤون الدول، فطبقا لقواعد القانون الدولي ان حماية هذه الأقليات هي مسؤولية الدولة في المقام الأولى وإذا ما تخاذلت تكون مسؤولية المجتمع الدولي في إطاره التنظيمي أي في إطار الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية المعنية، وليس في إطار دولة بمفردها وإلا تحول الأمر إلى نوع من البلطجة العالمية.
وإذا كان المقصود بالحماية أو المعنى بالحماية هم الأقليات الموجودين في إيران؟ فالسجل الإيراني في التعامل مع الأقليات سواء العرقية أو الدينية أو المذهبية أو الطائفية مليء بالخروقات والانتهاكات، فجميع التقارير الدولية والإقليمية الصادرة في هذا المجال تضع طهران في مقدمة البلدان التي تنتهك حقوق مواطنيها، ولعل ما جرى في صيف 2009 ضد ما أطلق عليه الثورة الخضراء يؤكد ذلك، بل المثال الأكثر وضوحا المعاناة التي تجسدها الأقلية العربية السنية في إقليم الأحواز المحتل من إيران منذ العام 1925، فالتاريخ يذكر المذابح التي ارتكبتها الحكومات الإيرانية بحق الشعب الأحوازي يكشف عن أكذوبة حماية الأقليات.
خلاصة القول إن رفع طهران شعارات حماية الأقليات لا يعني سوى حماية الطائفة الشيعية في البلدان العربية بهدف التدخل في شؤونها وإثارة القلاقل والاضطرابات داخلها بما يصب في مصالح إيران وأطماعها الإقليمية، ويتخذ هذا شعارا لتحقيق تلك الأهداف، لتتفق في ذلك مع الشعارات التي ترفعها الولايات المتحدة لحماية حقوق الإنسان وهي شعارات في حقيقتها شعارات استعمارية تذكرنا بشعارات الاستعمار القديم “رسالة الرجل الأبيض”، بما يمكن معه القول إن الاستعمار كله وجه واحد وهدفه واحد وإن تباينت الشعارات واختلفت الخطابات ولكن تتطابق الأهداف والأطماع.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.