
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الاحتلال الفارسي يختلف جوهريًا عن سائر الاحتلالات التي شهدها العالم والمنطقة؛ فهو استعمار ذو طابع خاص نشأ بدعم مباشر من قوى الاستعمار الغربي، وتحديدًا في بدايات القرن الماضي، حينما كانت بريطانيا تمارس سياسة استعمارية نشطة في منطقتنا.
لقد فرض هذا الاحتلال الفارسي واقعًا مغايرًا لما شهدته دول عربية أخرى، مثل الجزائر التي احتُلّت من قِبل الجيش الفرنسي. ورغم قسوة الاحتلال الفرنسي، إلا أنه لم يتلاعب بالجغرافيا أو التركيبة السكانية، وعندما نالت الجزائر استقلالها، لم تشهد تغيرًا ديموغرافيًا جذريًا. أما في الحالة الأحوازية، فالوضع مختلف تمامًا.
إذ عمد الاستعمار الفارسي إلى جلب مستوطنين فرس ودمجهم داخل المدن الأحوازية. وبسبب الانتماء المذهبي المشترك، بدأت شريحة من العرب الأحوازيين تتخلى تدريجيًا عن خصوصيتهم القومية واللغوية، مما سهل اندماجهم مع المستوطنين الفرس الذين أحكموا لاحقًا السيطرة على مفاصل الدولة، واستولوا على مؤسساتها واقتصادها، وشرعوا في مصادرة الأراضي تحت ذرائع مشاريع تنموية زائفة.
هذا التهميش والاستيلاء أثار عشرات الانتفاضات أبرزها انتفاضة عام 2005، كردّ فعل شعبي طبيعي على سياسات التمييز العنصري الممنهجة. واليوم، هناك شريحة كبيرة من أبناء شعبنا الأحوازي منخرطون في مؤسسات النظام الإيراني، مثل قوات الشرطة، الجيش، الحرس الثوري، والأجهزة الأمنية.
ومن هنا، علينا أن نكون عقلانيين في قراءتنا للواقع.
يجب أن نوجّه خطابًا متزنًا يُطمئن هذه الشريحة، ويمنحها الأمل، ويُشجعها على العودة إلى صفوف شعبها، لا أن ندفعها إلى مزيد من الانخراط في أدوات القمع الفارسي. يجب أن نؤكد لهم أن لا اجتثاث ولا عقاب جماعي، بل دعوة صادقة للمشاركة في المشروع الوطني، خاصة في ظل الظروف الإقليمية الراهنة، مع تصاعد الحرب بين إيران وإسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد شنت الطائرات الأمريكية مؤخرًا هجمات على مواقع نووية في عمق إيران، مما أدى إلى إضعاف هيبة النظام وتكبيد الحرس الثوري خسائر جسيمة. وباتت ملامح الانهيار واضحة، ونحن أمام ثلاثة احتمالات رئيسية:
الاحتمال الأول:
سقوط النظام دون بديل جاهز من الغرب.
في هذه الحالة، ستكون الفرصة متاحة أمام الشعوب غير الفارسية لفرض واقع جديد على الأرض، وقد يُتجه نحو نظام لا مركزي يضمن حق تقرير المصير، على غرار تجربة كردستان العراق، ما يسمح للأقاليم بالتمتع بحكم ذاتي، ويجنّب البلاد خطر الحرب الأهلية.
الاحتمال الثاني:
سقوط النظام مع وجود بديل مُعد مسبقًا، يتمثل في إعادة إنتاج نظام الشاه.
هذا السيناريو يتضمن عودة نجل محمد رضا بهلوي، وفرض دولة مركزية فارسية من جديد، وهو ما سيعيد إنتاج المرحلة الدموية التي أعقبت خلع رضا خان عام 1941، حين ألغت بريطانيا نظام “الممالك المحروسة” الذي كان يمنح نوعًا من الحكم الذاتي للشعوب غير الفارسية. وقد تنصل محمد رضا بهلوي، كما فعل والده، من وعوده باحترام حقوق هذه الشعوب، مما أدى إلى مجازر وتمييز ممنهج، خصوصًا في الأحواز.
وبالتالي، فإن إعادة إنتاج الدولة المركزية الفارسية هو خيار كارثي، وعلى الدول الداعمة له أن تعيد التفكير فيه، لأنه سيشعل صراعات داخلية دموية لا تُحمد عقباها.
الاحتمال الثالث:
انهيار الدولة الفارسية وتقسيم إيران على غرار يوغوسلافيا عام 1991.
وفي هذه الحالة، قد تتحقق الطموحات الوطنية للشعوب غير الفارسية، وفي مقدمتها الشعب العربي الأحوازي، الذي كان يتمتع باستقلال شبه كامل قبل ظهور الأسرة البهلوية العنصرية. وهذا الخيار يُمثّل نهاية لنظام شمولي فاشي قام على القمع والتمييز في جغرافيا بلاد فارس.
رسالة إلى أبناء شعبنا في الداخل والخارج:
إلى الإخوة والأخوات الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي ويوجهون رسائل مشحونة إلى الداخل، نذكّركم بأن هذه الرسائل قد تضعف الجبهة الداخلية، وتُضيّع على شعبنا فرصًا تاريخية ثمينة. لا يمكن التعامل مع كل من يعمل في مؤسسات الدولة على أنه خصم، فالكثير منهم وجدوا أنفسهم منخرطين بدافع الحاجة والعيش، وسط ظروف اقتصادية واجتماعية خانقة فرضها الاحتلال والاستعمار العنصري لقرن من الزمن.
علينا أن نوجّه خطابًا عقلانيًا معتدلًا، يُبعث برسائل طمأنة إلى أبناء شعبنا داخل النظام، ويمنحهم الأمل بالعودة الآمنة إلى صفوف أمتهم، لا أن نهددهم وندفعهم باتجاه المزيد من التورط في أدوات القمع.
لقد أثبتت التجارب أن نهج التسامح والمصالحة يحظى بقبول دولي وإقليمي.
ففي أفغانستان، لم تبدأ طالبان باجتثاث من سبقهم. وكذلك في سوريا، لم يتم إقصاء كل من عمل في النظام السابق. هذه النماذج يجب أن تُلهمنا لنتبنى خطابًا عاقلاً، يراعي مصلحة الوطن.
أيها الإخوة والأخوات،
لا تطلقوا التهديدات، بل افتحوا أبواب الأمل.
طمئنوا أبناءنا المنخرطين في النظام بأن الوطن يتسع للجميع، وأن المستقبل سيكون لهم ولأولادهم، كما هو لكل الأحوازيين. استغلوا وجودهم داخل النظام ليكونوا سندًا لا خصمًا، وادفعوهم للانضمام إلى قضيتهم العادلة، بدل دفعهم إلى خدمة الاستعمار الفارسي مجددًا.
في الختام،
نحن أمام فرصة تاريخية لا تُعوّض.
لن ننجح إلا بالوعي، والتخطيط، والتسامح، والعمل المشترك.
الوطن يتسع للجميع، والعفو والتسامح أقوى من الانتقام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الاتحاد الوطني الأحوازي
الأحد، 22 حزيران / يونيو 2025
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.