علوان الإبراهيم أحد كبار الحرس الخزعلي “الغلمان”… الرجل الذي غيّر مسار الثورة / بحث وتدوين : حامد الكناني

منذ االغزو الفارسي لإقليم عربستان في عام 1925، دخل الإقليم مرحلة جديدة من التحديات والاضطهاد المنهجي، بعد أن كان يتمتع بحكم شبه ذاتي تحت قيادة الأمير الشيخ خزعل بن جابر آل مرداو، آخر حكام الإمارة العربية الغنية بثرواتها وموقعها الاستراتيجي عند ملتقى شط العرب بالخليج. مع دخول القوات الفارسية إلى مدينة المحمرة، عاصمة عربستان، بدأت مرحلة ممنهجة من نزع السلاح العربي وقمع الهوية الثقافية، شملت حظر ارتداء الزي العربي التقليدي وفرض الزي الفارسي، في خطوة واضحة نحو طمس معالم العروبة في الإقليم، وتثبيت السيطرة السياسية والثقافية الفارسية على المنطقة.

أعلنت السلطات الفارسية، عقب استيلائها على المدينة، العثور على كميات ضخمة من الأسلحة داخل قصور الشيخ خزعل، وخاصة في قصره المعروف بـ”الكمالية”. وقدمت تلك الأسلحة على أنها دليل دامغ على النوايا المتمردة للحاكم العربي، مبررة بها حملات التفتيش والمداهمة والقمع. غير أن وثائق بريطانية سرية كشفت عن رواية أخرى أكثر تعقيدًا وغموضًا، تبرز شخصية أحد كبار رجال الحرس الخزعلي المعروفين بـ”الغلمان”، وهو علوان الإبراهيم، الذي كان من المقربين للشيخ خزعل وأحد المؤتمنين على أسراره.

في 25 يوليو 1925، اندلعت شرارة مقاومة عرفت بثورة الحرس الخزعلي، والتي سرعان ما أخمدتها قوات الاحتلال الفارسي بعنف، مخلفة قتلى وجرحى وأسرى في صفوف الثوار. بعد هذه الهزيمة، قرر علوان الإبراهيم مغادرة عربستان متوجهًا إلى مدينة البصرة العراقية، حيث التقى بمسؤولي القنصلية البريطانية، وكشف لهم عن وجود مخازن سرية للأسلحة في قصرين تابعين للشيخ خزعل: قصر الكمالية في قلب المحمرة وقصر الفيلية في ضواحيها. وأكد أن هذه الأسلحة، التي كانت زودت بها بريطانيا الشيخ قبل عامين، كانت مخبأة تحسبًا لمواجهة الاحتلال الفارسي، لكنه يخشى من وقوعها في يد السلطات الفارسية التي ستستخدمها ذريعة لقمع العرب.

تظل دوافع علوان الإبراهيم في هذا التصرف موضع جدل، إذ يبدو أنه تصرف من منطلق الخوف واليأس، بعد فشل الثورة وسقوط عدد كبير من رفاقه في الأسر والجرحى، مما دفعه إلى اللجوء إلى البريطانيين أملاً في تأمين الأسلحة أو نقلها بعيدًا عن متناول الاحتلال الفارسي. وعلى الرغم من معرفة البريطانيين بخطورة الموقف، فقد ترددوا في التدخل المباشر، خشية اتهامهم بدعم الثورة. ومن ثم تم التنسيق بينهم وبين السلطات الفارسية لتنفيذ حملة مشتركة لمصادرة هذه الأسلحة من قصر الكمالية وقصر الفيلية تحت إشراف مشترك.

تكتسب هذه القصة عمقًا أكبر عندما نتأمل وصف القصرين كما ورد في كتاب “الدرر الحسان في إمارة عربستان” لعبد المسيح الأنطاكي، حيث كان قصر الفيلية مركزًا إداريًا وحضريًا يضم ديوانية، وترسانة بحرية ومرافق لاستقبال الضيوف، بينما كان قصر الكمالية تحفة معمارية على الطراز الأوروبي مزودًا بأحدث وسائل الراحة والتبريد والكهرباء، يضم غرفًا فخمة لاستقبال الضيوف والاحتفالات والمآدب الملكية، ما يعكس ثراء وقوة الإمارة في تلك الحقبة.

ورغم مرور قرابة قرن على تلك الأحداث، يبقى علوان الإبراهيم شخصية غامضة في تاريخ الثورة العربية ضد الاحتلال الفارسي لعربستان، رجل جمع بين الولاء والخوف، الشجاعة والانهيار، ليشكل نموذجًا معقدًا للتناقضات النفسية والوطنية في مواجهة تحولات سياسية قاسية. لم يُعرف مصير الإبراهيم بعد لجوئه إلى البصرة، لكن ما قام به أثر بشكل مباشر في تغيير مسار الثورة، وربما حفظ حياة الكثيرين، أو سُجل عند البعض كخيانة لمشروع الحرية والاستقلال.

تقرير من سكرتير القنصلية البريطانية في البصرة

وثيقة رقم ٠/٤١.٥.

علوان الإبراهيم، غلام الشيخ الرئيسي، والمقيم في البصرة منذ اعتقال الشيخ، زارني هذا الصباح وأبلغني بما يلي: “هناك ألف بندقية وكمية كبيرة من الخراطيش مخزنة في غرف مختلفة في قصري الشيخ في الكمالية والفيلية. وهي جزء من الأسلحة والذخيرة التي زودت بها الحكومة البريطانية الشيخ قبل حوالي عامين. أُحيلت نسخة من هذه الرسالة إلى الشيخ. لقد جئتُ لأطلب تعليمات بشأن ما يجب عليّ فعله بهذا الشأن. يمكنني نقلها ليلاً، لكن لا يمكنني إحضارها إلى الأراضي العراقية دون إبلاغ السلطات والحصول على إذنها”.

أقترح إبلاغ علوان بأنه لا يمكن منح إذن لإحضار هذه الأسلحة إلى هنا أو إلى أي مكان آخر في الأراضي العراقية. سأفعل ذلك بعد استشارة الرائد ويلسون، لأنني أعتبر من غير المرغوب فيه للغاية السماح بإحضار الأسلحة إلى البصرة أو إلى توابعها. سيؤدي هذا الإجراء إلى الكثير ستزعم السلطات الفارسية أن خير دليل على ادعائها بأن الثورة كانت مُدبّرة من البصرة هو إرسال أسلحة من هناك إلى الفيلية لتسليح المتمردين، وأن هذه الأسلحة أُعيدت إلى البصرة عندما تبيّن أن المتمردين لم يتمكنوا من هزيمة القوات الفارسية. علاوة على ذلك، لم يُعهد إليّ الشيخ بهذه الأسلحة، ولا أرى أي سبب يدفعني إلى اتخاذ أي إجراء بشأنها وتعريض نفسي والآخرين للخطر. علمتُ من علوان أن الشيخ عبد الله على علم بوجود بعض الأسلحة في قصر الكمالية. وهذا سيمنحه ذريعة أخرى لاتهامنا جميعًا عندما يكتشف أن الأسلحة قد أُزيلت من القصر.”

انتهى

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑