مزاعم اللور والكورد التوسعية في عربستان الأحواز يرفضها الواقع وتفندها الوثائق التاريخية

مركز دراسات عربستان الأحواز – بحث وتدوين: حامد الكناني
كما هو واضح في هذه الخريطة الصادرة عن وزارة الخارجية البريطانية والمحفوظة في مكتبة قطر الرقمية، فهي مرسومة عام 1916، وتُظهر أو تذكر الأعراق المتواجدة في بلاد الرافدين. والمثير للاهتمام أن مناطق عربستان واردة ضمن منطقة الرافدين، أي بلاد ما بين النهرين، مما يعني أن هذه المناطق امتداد طبيعي لجغرافيا بلاد الرافدين. لكن لأسباب استعمارية وسياسية، أُلحقت عربستان بجغرافيا بلاد فارس.

في هذه الخريطة نجد ألوانًا مختلفة تُمثل الأعراق المتواجدة. اللون الوردي تقريبًا يرمز إلى المناطق ذات الوجود العربي، وكما نرى فإن هذه المنطقة بكاملها مأهولة بالعرب. أما اللون الأصفر فيمثل الأكراد، ويتضح أن الوجود الكردي لا يتجاوز إلا قليلاً حدود مدينة بدرة جنوب شرق العراق، ثم يمتد داخل إيران. وهذه الخريطة تركز على منطقة بلاد الرافدين تحديدًا، وليست جميع الأماكن التي يتواجد فيها الأكراد في شرق كردستان أو حتى العرب الأحوازيين. ومع احترامنا للشعب الكردي، فإن وجودهم التاريخي والديموغرافي في هذه المنطقة كان ضمن حدود مدينة بدرة تقريبًا.

كما تشير الخريطة إلى أن المناطق المحاذية جنوبًا للمناطق الكردية هي مناطق بني لام (بني عيلام) وبني ربيعة. منطقة بني لام تشمل السوس والمناطق الغربية المحاذية للعراق، وتمتد من قلعة صالح شمالًا حتى تصل إلى مناطق ربيعة جنوب غرب مدينة بدرة، التي تقع حاليًا ضمن الحدود العراقية، غرب الخط الفاصل بين بلاد فارس والدولة العثمانية.

تظهر أيضًا في الخريطة أسماء عربية مثل الحويزة والمحمرة وعربستان، إضافة إلى ذكر بني كعب. وهناك أجزاء أخرى من عربستان لم ترد في هذه الخريطة، وهي تقع شرق وشمال مدينة الأحواز، وهذه أيضًا مناطق عربية، لكنها لم تُدرج ضمن جغرافيا بلاد الرافدين في هذه الخريطة.

هذه الخريطة وثيقة رسمية حكومية دقيقة، تبين الحدود العرقية الحقيقية، خصوصًا ما يتعلق بالقضية الكردية. ففي الوقت الحاضر، هناك بعض الخرائط التي تُنشر تحت مسمى “خرائط كردية” تتجاوز هذه الحقائق الجغرافية وتصل حتى شمال الخليج، وهو تضخيم لا أساس تاريخي أو واقعي له. هذا التضخيم قد يثير حساسيات بين الشعب الكردي والشعب العربي الأحوازي، الذي قاوم أكثر من مئة عام للحفاظ على هويته وأرضه في عربستان (الأحواز)، وهو على استعداد لصد أي محاولة للتعدي على أرضه التاريخية.

اللور في العملة – السوس

في سياق دراسة التاريخ الاجتماعي والسياسي لعربستان (الأحواز)، تبرز قضية التوسع التاريخي لبعض المجموعات غير العربية التي استوطنت المنطقة عبر فترات زمنية متباينة، ومنها جماعات من اللور والأكراد. فبعد الخلافات التي عصفت بالأسرة الحاكمة في مناطق بوسكوه، انقسمت بعض بطون القبائل اللورية، وانتقل قسم منهم – ومن بينهم أبناء عمومة لحاكم تلك المناطق – إلى عربستان.

وصل هؤلاء في زمن حكم الشيخ جابر بن مرداو، حيث منحهم الشيخ أراضي في المنطقة الواقعة جنوب القنيطرة (دزفول) مقابل إيجار سنوي، وكانت مخيماتهم – وفق ما تشير إليه التقارير البريطانية – محصنة، لكنها تعرضت لهجمات متكررة من قبائل كنانة وخسرج، وأحيانًا من بعض بطون اللور الأخرى في شمال عربستان.

مع ظهور رضا خان في طهران وصعود الخطاب القومي الفارسي، بدأ بعض هؤلاء الوافدين بالتمرد. لكن الشيخ خزعل أرسل قوة قوامها نحو 1500 فارس بقيادة الشيخ عبد الحميد بن خزعل، فهزموهم، مما اضطرهم إلى اللجوء نحو مناطق قبيلة بني لام وبالتحديد لشيوخ قبيل كنانة. وبعد سلب السيادة العربية في عربستان، عاد هؤلاء ليستوطنوا من جديد، بل حصلوا على أراضٍ أفضل ودعم مباشر من الحكومة الفارسية، إلى درجة تعيين أحد زعمائهم بمنصب “شيخ المشايخ” في المنطقة، وهو ما أثار حفيظة العديد من القبائل العربية.

رغم كل ذلك، كان العرب في عربستان يعتبرونهم جزءًا من النسيج الأحوازي، ويمنحونهم صفة المواطنة، إلا أن التحولات السياسية في العقود الأخيرة كشفت عن تغير في ولاءات بعضهم؛ إذ تحولت البوصلة من القومية الفارسية إلى القومية الكردية. وبدأت هذه الفئة في صياغة تاريخ بديل يزعم أن شمال عربستان هو موطنهم الأصلي، في حين تشير الوثائق التاريخية – ومنها الوثائق البريطانية – إلى أنهم قدموا كلاجئين، وأن الأراضي التي استوطنوها كانت ملكًا لشيخ المحمرة، حصلوا عليها مقابل إيجار سنوي لم يلتزموا بدفعه. وعندما امتنعوا عن السداد، أرسل الشيخ خزعل قوات بقيادة ولي عهده لطردهم، وتم إخراجهم من المنطقة بالقوة.

في تقرير عسكري سري صادر عام 1924 عن المنطقة رقم ثلاثة عشر، تحديدًا في الصفحة 21، ورد وصف مفصل للعملة ومحيطها، الواقعة ضمن مدينة السوس، حيث يسلط الضوء على قبيلة العملة (Amleh)، التي كانت تُعرف سابقًا باسم “عملة كريم خان”. جاء في التقرير ما نصه: “تنتمي هذه القبيلة إلى فخذ صغير ومعزول من قومية اللور، في بشتكوه (Pusht-i-Kuh). بعد انتقالهم لشال عربستان كانت مساكن أفراد هذه القبيلة في الأصل مجموعة قليلة من القرى المسورة، تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة دزفول في منطقة عربستان.

تعرضت مخيمات العملة لعدة غارات متكررة من قبل قبائل كنانة وخسرج العربية، بالإضافة إلى عداء مزمن مع قبيلة سگوند (Sagwand) اللورية المجاورة، مما ألقى بظلال من التوتر المستمر على علاقاتهم الجغرافية والسياسية. ومع ذلك، تمكنت القبيلة من الدفاع عن نفسها نسبيًا، رغم أن قوتها العسكرية كانت محدودة مقارنة بجيرانها، حيث لم يتجاوز عدد أفرادها المسلحين 200 حامل بندقية، و40 إلى 50 فارسًا.

يعتمد سكان القبيلة على ري أراضيهم الزراعية من خلال قناتي هرمُوشي (Harmūshi) ودهدري (Dehdarī)، اللتين تتفرعان من نهر الكرخة، مما يؤمن لهم مصدر مياه مهم للحياة والاستقرار الاقتصادي.”

فيما يتعلق بالزعامة، يتزعم القبيلة غلام رضا خان وسيف الله خان. ينتمي غلام رضا إلى أسرة ذات صلة قرابة مباشرة بولي بشتكوه، الذي هو ابن عم له، مما يمنحه نفوذاً خاصاً ضمن القبيلة. رغم ذلك، كانت العلاقة بين الزعيمين متقلبة، حيث ترافق التعاون بينهما أحيانًا مع خلافات متكررة. يوصف غلام رضا بأنه شخص “غير موثوق”، في حين يُعتبر سيف الله خان “شابًا متهورًا”، مما يعكس نوعًا من الصراعات الداخلية التي أثرت على وحدة القبيلة.

على الصعيد السياسي والإداري، كانت أراضي قبيلة العملة مملوكة لشيخ المحمرة، الذي اتخذ قرارًا بطرد الزعيمين من مدينة الشوش بسبب المشاكل المستمرة التي كان يثيرها غلام رضا. وبعد ذلك، وُضعت القبيلة تحت إشراف خليف بن شنَيّار، وكيل شيخ المحمرة في منطقة المِيناو، حيث ظل الوضع مستقرًا ما دام غلام ومؤيدوه لا يتدخلون بشكل واسع في الشؤون الداخلية.

بهذا السرد التاريخي، لا نسعى من خلال هذا المنشور إلى إثارة أي توجهات قومية أو استدعاء الماضي، بل نؤكد على حقيقة التعايش المشترك. نحن اليوم نعيش في منطقة متعددة الأعراق والثقافات، ويجب أن نتذكر أن سكان مدينتي القنيطرة (دزفول) وتستر هم جزء أصيل من السكان التاريخيين لعربستان، ويستحقون كل الاحترام والتقدير.

كما كانت في هذه الأرض طوائف أخرى مثل الصابئة المندائيين، واليهود، والآشوريين، والسريان، وقد عاشوا جميعًا جنبًا إلى جنب مع إخوانهم العرب في سلام وأمان، حتى جاء الاحتلال من قبل الحكومة المركزية الإيرانية عام 1925، والذي كان سببًا في اندلاع المشكلات الحالية.

اليوم، يستحق جميع مواطني هذه المنطقة، بمختلف أعراقهم ودياناتهم، كل التقدير والاحترام. ومع ذلك، فإن عربستان ستبقى عربستان، واسمها بحد ذاته شاهد على كونها موطنًا تاريخيًا للعرب الأحوازيين، تمامًا كما تدل أسماء كوردستان وبلوشستان ولورستان وغيرها على مواطن الشعوب في جغرافية بلاد فارس وخارجها.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑