
مركز دراسات عربستان الأحواز- بحث وتدوين: حامد الكناني- عند مراجعة التاريخ الإيراني الحديث، يظهر بوضوح أن سياسة الكراهية ضد اليهود والأقليات الدينية الأخرى لم تكن مقتصرة على عهد الجمهورية الإسلامية، بل تمتد جذورها إلى فترة حكم الأسرة البهلوية، ولا سيما تحت حكم رضا خان بهلوي. على عكس الاعتقاد السائد بين بعض اليهود اليوم الذين يرون أن عهد البهلوي كان أكثر تسامحًا معهم، تكشف الوثائق البريطانية والأرشيفات التاريخية أن رضا خان نفسه كان من الداعمين الأساسيين لسياسات القمع والاضطهاد ضد اليهود، خاصة في إقليم عربستان الأحواز حيث عاش اليهود جنبًا إلى جنب مع العرب والصابئة والآشوريين والسريان لآلاف السنين.
في السنوات الأخيرة من حكم رضا خان (1925-1941)، تحولت أفكاره من مجرد طالب للسلطة إلى قومي فارسي ثم تبني الفكر النازي، وارتبط بعلاقات وثيقة مع ألمانيا النازية. هذه الفترة شهدت تزايداً في تبنيه للأيديولوجية النازية، والتي شملت كراهية اليهود كجزء من السياسة الرسمية للدولة. فقام بإصدار أوامر بطرد اليهود من الأحواز، وإجبارهم على مغادرة المناطق التي كانت مسقط رأسهم ومصدر رزقهم لعهود طويلة. هذه الإجراءات لم تكن منفصلة عن السياسة النازية في ألمانيا، بل شكلت امتدادًا محليًا لها.
كان التحريض على كراهية العرب واليهود والصابئة والآشوريين وغيرهم من الأقليات الدينية جزءًا أساسيًا من استراتيجية المستوطنين الفرس في الأحواز للسيطرة السياسية والاجتماعية. ومع تأسيس الدولة المركزية الحديثة، ساهم هذا التيار، بدعم من المستشرقين، في خلق سرديات تاريخية مزيفة لتبرير سياسات القمع والقهر، من بينها الأسطورة التي تزعم أن الأخمينيين كانوا فرسًا وآريين وحلفاء لليهود. إلا أن الأدلة التاريخية تشير إلى أن الأخمينيين لم يكونوا فرسًا ولا آريين، بل كانوا مجموعات من المغامرين كانوا يسعون إلى السلطة والثروة.

عندما قرر حاخامات اليهود، الذين نُفّوا واستقرّوا في مدينة أصفهان، تحرير إخوانهم المحتجزين في سجون بابل، قاموا بحشد قوات مغامرة ومتنوعة الأعراق، وموّلوها ووجهوها نحو بلاد ما بين النهرين. بدأوا بسقوط السوس (سوسا) كخطوة أولى، ثم تقدّموا نحو بابل ونجحوا في فتحها، محررين بذلك أسرى اليهود من قبضة نبوخذ نصر.
عرف هؤلاء المغامرون الذين حشدهم حاخام اليهود في أصفهان باسم “أنصار الحاخام”، أو كما كانت تُقال بالفارسية “هاخام منش”، والمنش هنا بمعنى الاتباع والطريقة والتي تحولت عبر الزمن إلى “الأخمينيين” بالعربية و”هخامنش” بالفارسية. أما مدينة أصفهان، فقد كانت تُعرف آنذاك بـ”اليهودية”، حيث كان أول من استوطنها هم اليهود المنفيون من أورشليم في فلسطين.
عبر التاريخ، مارست السلطات الفارسية، ولا سيما في العصر الحديث، سياسات قمع ممنهجة تجاه الشعوب المجاورة لها مثل الأتراك، الأفغان، العرب، الكرد، اللور، البلوش، والتركمان، إضافة إلى الأقليات الدينية مثل الصابئة واليهود. واستغل الفرس نفوذهم السياسي والاقتصادي لتنفيذ هذه السياسات، وخاصة في المناطق التي كانت تعيش فيها هذه الأقليات جنبًا إلى جنب العرب في عربستان الأحواز. هناك، وبعد عقد من احتلال الأحواز تصاعدت مظاهر الاضطهاد والتضييق، حيث لجأت السلطات الفارسية والمسّوطنون الفرس إلى استخدام القوانين، والضغوط الأمنية، وأساليب الطرد الاقتصادي لإجبار اليهود والصابئة والعرب على الهجرة وترك أوطانهم التاريخية.
ومن اللافت أن بعض رموز القومية الفارسية، لا سيما العائلة البهلوية التي تقود هذا التيار، ومن بينهم حفيد رضا شاه، لم يدينوا بوضوح هذه السياسات، رغم ادعاءاتهم الحالية بمحاربة العنصرية ومعاداة السامية. هذا التباين يطرح تساؤلات عميقة حول مدى الاعتراف الحقيقي بالماضي، ويفتح نقاشًا هامًا حول تبني قيم التسامح والتعايش السلمي مع شعوب غير فارسية في المستقبل.
السلطات الفارسية تقوم بمضايقة اليهود وتهجيرهم من الأحواز

في عام 1938، شهدت الأحواز حدثًا بارزًا يتضمن إصدار أوامر بطرد اليهود من قبل السلطات الفارسية، ما أثار قلقًا واسع النطاق لدى المجتمعات المحلية والدولية. يشير محتوى الوثائق أدناه إلى ان الأحداث المتعلقة بهذا الطرد، وخاصة المحادثات بين المسؤولين الحكوميين، وتأثيرات ذلك على اليهود الأحوازيين والعراقيين.
استندت المعلومات الواردة من القنصلية البريطانية في طهران إلى تقارير تفيد بأن أوامر الطرد كانت خاصة بالمناطق الحدودية في الأحواز، وخاصة في المحمرة، حيث تم تحديد مهلة ثلاثة أشهر لمغادرة اليهود. ومع ذلك، لم يكن هناك أوامر مماثلة في الأحواز، رغم الشائعات التي انتشرت في ذلك الوقت.
كان لهذه الإجراءات آثار اقتصادية كبيرة، حيث أُفيد بأن بعض اليهود العاملين في شركة النفط الأنجلو-إيرانية وعددهم كان يتجاوز 45 شخصا سيُطلب منهم المغادرة، مما أثار قلقًا حول تأثير ذلك على الأعمال المحلية. عُزيَ هذا الأمر أيضًا إلى المنافسة الاقتصادية بين التجار، حيث استغل البعض نفوذهم لطرد منافسيهم من اليهود والصابئة من السوق.
تعكس سياسة طرد اليهود، والصابئة ، والمسيحيين وحتى البحارنة من قبل سلطات الاحتلال الفارسي في الأحوازعام 1938 واحدة من الفترات العصيبة في تاريخ المنطقة، حيث تصطدم القضايا السياسية والاقتصادية بالحقوق الإنسانية.

حادثة التحريض ضد اليهود في الأحواز – 9 أكتوبر 1938
في مساء التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 1938، اندفعت زوجة رقيب في الدرك إلى أحد شوارع الأحواز المزدحمة وهي تصرخ بأن اليهود اختطفوا ابنتها الصغيرة لتقديمها قربانًا. انتشر الخبر سريعًا، فتجمّع حشد يتراوح بين سبعمائة وثمانمائة شخص، وانطلقوا باتجاه الكنيس اليهودي بقصد إحراقه. تدخّل مفوض الشرطة، وأطلق النار في الهواء لتفريقهم، ثم أحضر المرأة ومعها فتاة زُعم أنها المخطوفة، وتمكّن من إقناع الحشد بالتفرق.
عقب ذلك، حاولت مجموعة من الناس مهاجمة منزل رجل الدين، لكن المحاولة باءت بالفشل. وتشير المذكرات القنصلية البريطانية إلى أن الحادث وقع في ظل تحريض منظم ضد اليهود، استمرارا لسياسات رضا شاه التي استهدفت تفكيك النسيج الاجتماعي العربي في الأحواز، وانتزاع المهن التي كان يمارسها اليهود لصالح مستوطنين فرس. كما تذكر الوثائق أن المرأة التي أشعلت الحادثة كانت والدة صبي تعرّض لمعاملة سيئة من أنصار أحد المجتهدين، ما يعكس خلفيات شخصية استُخدمت لإشعال فتنة أكبر.
المصدر: India Office Records – British Library
المرجع: IOR/L/PS/12/3533 – مجموعة 28/120 “بلاد فارس – الأحواز – مذكرات قنصلية”
التحريض القومي الفارسي ضد يهود طهران أثناء الثورة المشروطة – يونيو 1905

لم يكن التحريض على كراهية اليهود واضطهادهم من قبل القوميين الفرس أمرًا طارئًا في تاريخ إيران المعاصر، بل تعود جذوره إلى ما قبل عهد رضا خان، حيث شهدت طهران خلال أحداث الثورة المشروطة (1905–1906) أعمالًا عدائية منظمة ضد اليهود.
حوالي الثاني من يونيو 1905، اندلعت في العاصمة حركة متعصبة بقيادة ميرزا إبراهيم، أحد كبار رجال الدين، حظيت بدعم أوساط قومية فارسية. استهدفت الحملة اليهود في أحياء طهران الإسلامية، فتم تمزيق طواقيهم المصنوعة من اللباد، وفرضت عليهم مطالب بارتداء غطاء رأس مميز يحدد هويتهم.
استمرت أعمال المضايقة طوال الشهر، إلى أن أصدر سالار السلطان أمرًا يلزم جميع اليهود بارتداء طاقيات من اللباد، وإضافة قطعة قماش صفراء على ياقات سترات من يرتدون طواقي عالية، في خطوة تحمل طابعًا تمييزيًا واضحًا.
كما استُدعي المعلمان اليهوديان شوشر وفينوغياني من المدرسة اليهودية للمثول أمام الأمير والسردار الأكرم، حيث وُجِّها بتحذير يقضي بالاكتفاء بمهامهما التعليمية وعدم تجاوزها.
المصدر: المجلد الأول – مذكرات بشأن بلاد فارس والحدود الشمالية الغربية، 1905
المرجع: Mss Eur F112/449 – محفوظ في المكتبة البريطانية.
تشير مراسلات وزارة الخارجية البريطانية الصادرة عام 1912 إلى أوضاع اليهود في بلاد فارس من الناحية السكانية والاقتصادية والاجتماعية، مع ملاحظة أن هذه الإحصاءات لم تشمل يهود عربستان (الأحواز) نظرًا لكونها في تلك الفترة شبه مستقلة عن سلطة الحكم المركزي في طهران.

وجاء في الوثائق ما نصه: يوجد اليهود في معظم مدن بلاد فارس، لكن التجمعات المنتظمة التي تضم كهنة ومعابد يهودية تتركز فقط في المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان ويزد وشيراز وهمدان وغيرها. وقد كانوا خلال السنوات الماضية عرضة أحيانًا لاضطرابات ذات طابع ديني متعصب.
يقدَّر عددهم الإجمالي بما يتراوح بين 20,000 و30,000 نسمة. ففي همدان وحدها يُقدَّر عددهم بـ 5,000، وهي المدينة التي تضم مقابر إستير ومردخاي الشهيرة. وبشكل عام، يعيش اليهود الفرس في فقر مدقع وظروف من الجهل.
في أصفهان يتمتعون بمكانة أفضل نسبيًا مقارنة بغيرها من المدن، لكنهم ممنوعون من ارتداء غطاء الرأس الفارسي، ويعانون من العديد من القيود. أما في شيراز، فحالهم يُعد من الأسوأ، بينما هم في بوشهر أكثر ازدهارًا وبعيدون نسبيًا عن الاضطهاد. وفي يزد يقدر عددهم بحوالي ألف نسمة. المصدر:
“تقرير عسكري عن بلاد فارس” – IOR/L/MIL/17/15/5

اليهود والصابئة والنصارى في عربستان قبل وبعد الاحتلال الفارسي
تشير الوثائق البريطانية إلى أن اليهود، وكذلك الصابئة والنصارى، عاشوا في عهد الحكم العربي في عربستان (الأحواز) حياةً طبيعية، يمارسون أعمالهم التجارية وأنشطتهم الدينية بحرية كاملة. كانوا جزءًا أصيلًا من النسيج الاجتماعي العربي الأحوازي، وما زال الكثير من أبناء الأحواز يتذكرون أسماء وجهاء وتجار اليهود والصابئة الذين لعبوا دورًا بارزًا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بل إن أماكن تواجدهم وحتى بعض القرى التي حملت أسماءهم لا تزال معروفة حتى اليوم.
لكن مع الاحتلال الفارسي لعربستان، انقلبت الأوضاع رأسًا على عقب، وبدأت سياسات الإقصاء والتمييز، التي استهدفت الأقليات، تفرغ الإقليم من مكوّناته التاريخية.
تسجل التقارير البريطانية لعامي 1904–1905 تفاصيل دقيقة عن النشاط التجاري في المحمرة، وتبرز الدور المحوري لليهود في الاقتصاد المحلي. فقد كانت تجارة القطن المحلية متركزة أساسًا في أيديهم، حيث عملوا كوكلاء لشركات مانشستر البريطانية. وكان الطلب الأساسي على منتجات مثل الملاءات (٨ و٩ إف بي)، والمطبوعات ذات اللمسة الناعمة، والأقمشة المزخرفة الفاخرة، والجاكونيتات المطبوعة، والبطانات، إضافة إلى الأنواع الأرخص المستوردة من الهند.
المصدر: تقرير إداري عن المقيمية السياسية في الخليج العربي والوكالة السياسية في مسقط للفترة 1904–1905
المرجع: IOR/R/15/6/504 – محفوظ في المكتبة البريطانية.

وفي أبريل (نيسان) 1938، أصدرت السلطات الإيرانية أوامر بطرد جميع اليهود من الأحواز، مبررةً ذلك بمزاعم تتعلق بأنهم كانوا منخرطين في أنشطة التهريب. وكان اليهود قد تعرضوا لموجة من القمع والنهب والتسليب من قبل السلطات الفارسية وهكذا التجار الفرس من المستوطنين في الأحواز وعلى رأسهم شخص يفارسي يدعى ميرزا جلال موقر كان قد استولى على ممتلكات واموال امير الاحواز الشيخ خزعل وهو رئيس شركة ملاحة كارون وشركات اخرى، تحت ذريعة تطبيق قانون التجنيد الالزامي، حيث لجأ معظمهم في تلك الفترة لحمل الجنسيات العراقية للتخلص من هذا القانون وتداعياته. عقدت وزارة الخارجية العراقية، ممثلةً بالسيد بوليمان، اجتماعات مع القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، حيث تم التأكيد على أن هذه الإجراءات لا تستهدف اليهود الإيرانيين (الأحوازيين) فحسب، بل تشمل أيضًا اليهود العراقيين.
خلال المفاوضات، عبّر السيد سليمان، الوزير العراقي، عن عدم رضاه عن هذا الطرد، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات كانت بمثابة نتيجة غير مرغوبة للمعاهدات الموقعة مؤخرًا بين العراق وإيران. وأكد أن الحكومة العراقية ستتخذ تدابير مضادة إذا استمرت السلطات الإيرانية في إجراءاتها ضد اليهود العراقيين.

معاناة اليهود بين العراق وإيران
في تلك الحقبة من الزمن لم يكن العراق أيضًا مكانًا آمنًا لليهود، إذ كانوا يتعرضون فيه لشتى أنواع الظلم والإذلال. وقد دفع ذلك معظمهم إلى الفرار نحو إيران. وبما أنهم لم يكونوا يحملون أوراقًا ثبوتية، فقد اضطروا إلى دخول الأحواز، التي كانت تحت السيطرة العسكرية الفارسية، من دون وثائق رسمية. وهنا وجد الضباط الفرس وجنودهم الفرصة لابتزاز اللاجئين وسلب أموالهم. هذا ما تؤكده الوثائق البريطانية:
١٢. المهاجرون اليهود
فرّ عدد من العائلات اليهودية مؤخرًا من العراق إلى المحمر (خرمشهر)، في جنوب بلاد فارس، حيث وصلوا من دون وثائق دخول. ووفقًا لمركز الدراسات العامة الفارسي، بلغ عدد اليهود الداخلين من العراق بهذه الطريقة نحو ٣٠٠ شخص. ويُقال إن الحاكم العام في الأحواز يشعر بالقلق من حجم الرشاوى التي يتقاضاها حرس الحدود الفارسيون من اليهود الذين يدخلون إيران بصورة غير قانونية. ويبدو أن عددًا كبيرًا من هذه العائلات انتقل مؤخرًا من المحمرة إلى طهران حاملين تصاريح إقامة صادرة حديثًا عن شرطة المحمرة.
المصدر:
المجموعة ٢٨/٩٧(٢) “ملخصات استخبارات طهران”
المرجع: IOR/L/PS/12/3507

اليهود في أصفهان بين الفقر والتهميش
جاء في مجموعة التقارير البريطانية السرية عن بلاد فارس لعام 1937 – وهي الفترة التي بدأ فيها رضا خان بهلوي، الذي نصّب نفسه بدعم بريطاني ملكًا على إيران عام 1925 – أن اليهود في أصفهان كانوا يعيشون أوضاعًا من الفقر والفاقة والتهميش التام. كما تضمنت التقارير النقاط التالية:
٨. يبدو أن السلطات تبذل بعض الجهود لتشجيع الأرمن في منطقة جولفا على المشاركة في الطفرة الصناعية وتأسيس شركة خاصة بهم. غير أن الأرمن يؤكدون أنهم ما زالوا يعانون من التمييز في الممارسة العملية، وأن الحكومة تعمل بكل ما تستطيع للحد من تدريس اللغة الأرمنية في مدارسهم.
٩. تشير الوثائق إلى أن موجة معاداة السامية، التي اجتاحت أجزاء كثيرة من إيران مؤخرًا، لم تطل أصفهان بشكل ملحوظ. ويبدو أن الجالية اليهودية هناك – والتي تتكون بالكامل تقريبًا من يهود محليين (إيرانيين)، باستثناء واحد أو اثنين – جالية فقيرة لا تملك ثروة تُذكر، ولا يبدو أنها تعاني في الوقت الحالي من قيود أو إعاقات خاصة.
المصدر:
مجموعة ٢٨/٣٩(٢) “بلاد فارس. مراسلات مطبوعة، ١٩٣٧-“
المرجع: IOR/L/PS/12/3443

اليهود في الأحواز خلال الحرب العالمية الثانية – حضور سينمائي عام 1942
على الرغم من سنوات الإذلال والتحريض ضد اليهود في الأحواز، تُظهر الوثائق البريطانية أن المجتمع اليهودي في الأحواز استمر في ممارسة أنشطة ثقافية واجتماعية، بما في ذلك حضور العروض السينمائية.
في عام 1942، حضر أكثر من 360 شخصًا لمشاهدة عرض سينمائي في الأحواز، قدمه السيد إسرائيل إلماخ حول اليهود في فلسطين. أقيم العرض في دار سينما محلية، وأُعيرت أيضًا ثلاثة أفلام إخبارية من قبل القنصلية. أكثر من 90% من الحضور كانوا من اليهود، في حين حضر مسؤول أو مسؤولان فارسيان وأربعة أعضاء من القنصلية الروسية. حاول مسؤولان أو ثلاثة آخرون من الفرس الجلوس، لكنهم لم يجدوا مقاعد متاحة، فانسحبوا. تجدر الإشارة إلى أن دار السينما كانت محظورة نهائيًا على القوات البريطانية.
توضح هذه الواقعة أن الحياة الثقافية اليهودية في الأحواز حتى خلع رضا خان بهلوي وطرده بواسطة الحلفاء عام 1941 لم تتوقف تمامًا، رغم القيود والتحريض المستمر، لكن الجالية تراجعت و اختفت نشاطاتها تماما في عهد نجله محمد رضا بهلوي.
المصدر: Coll 28/120 “بلاد فارس – الأحواز: يوميات القنصلية”
المرجع: IOR/L/PS/12/3533 – محفوظ في المكتبة البريطانية، ملف واحد مكون من 332 ورقة، الفترة من 29 يوليو 1942 إلى 9 فبراير 1946، مكتوبة باللغة الإنجليزية.

مضايقة التجار اليهود ونهب أموالهم من قبل المسؤولين الفرس
في السابع من نوفمبر 1942 تم اعتقال تاجر يهودي يدعى ساسون في الأحواز وذلك بناء على طلب البلدية بتهمة تخزين 90 طنا من الحبوب. بعد يومين ، وجد رئيس الشرطة شخصا معتقلا في عهدته خلال فترة الأربع وعشرين ساعة التي يسمح بها الحد الأدنى ، وأرسله إلى المحكمة للحبس الاحتياطي. وبحسب ما ورد أفرجت المحكمة عن ساسون بكفالة قدرها 100,000 ، على الرغم من أن الغرامة المستحقة عند الإدانة هي 1,300,000 ريال.
الحاكم العام ، الذي كان في هذه الفترة يعاني من مرض الزحار (الاسهال الدموي) وطريح في البيت، تعافى جزئيا وأبلغ أنه أمر بإعادة اعتقال ساسون الذي يقبع مرة أخرى في السجن. وأعقب ذلك الكثير من الاتهامات المتبادلة بين الحاكم العام ورئيس الشرطة ورئيس المحكمة، واتهم كل منهما الآخر بالنوايا والافعال الشريرة. وهناك لجنة أنشئت بموجب أحكام قانون الاكتناز وهي الآن منعقدة في نفس الموقف، وأبلغ الحاكم العام القنصل العام لصاحب الجلالة بأنه “أوعز” إلى اللجنة بإصدار عقوبة باهضة. كما ذكر الحاكم العام أنه سيعطي اوامر لنشر مكافئة لمن يخبر عن مواد تجارية غير شرعية مخزنة حيث سيكافئ المخبر بنسبة 20 ٪ من الكمية المكتشفة.[i]
Coll 28/120 ‘Persia. Ahwaz – Consular diaries.’ [42r] (84/669), British Library: India Office Records and Private Papers, IOR/L/PS/12/3533, in Qatar Digital Library
[i] Coll 28/120 ‘Persia. Ahwaz – Consular diaries.’ [42r] (84/669), British Library: India Office Records and Private Papers, IOR/L/PS/12/3533, in Qatar Digital Library

المفارقة المعاصرة: نتنياهو ورهان على حفيد رضا خان
المجتمع اليهودي في الأحواز الذي قاوم سياسات رضا خان البهلوية القمعية لم يستطع الصمود أمام سياسات ابنه، محمد رضا بهلوي، وهي سياسات كانت تكمل تدريجيًا مشروع قومي متطرف للأب، مصحوب بأفكار مشابهة للنازية والفاشية الأوروبية. هذه السياسات لم تستهدف اليهود في الأحواز فقط، بل شملت أيضًا الصابئة المندائيين والمسيحيين، وأثرت على مختلف شرائح المجتمع العربي في عربستان من خلال القتل والقمع الدموي.
يُطرح هنا سؤال جوهري: لماذا انتهجت الحكومات الإيرانية، منذ عام 1925 في عهد الأسرة البهلوية (الأب والابن)، ثم في ظل الجمهورية الإسلامية بقيادة الخميني وخامنئي، سياسة عدوانية تجاه الشعوب المحيطة بها، بالتوازي مع قمع المكونات القومية والدينية داخل إيران نفسها؟ ولماذا ارتبط هذا النهج بسياسة تحريضية ضد اليهود، وبخطاب متكرر يضخم قضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين تحت ذريعة “الدفاع عن القدس وفلسطين والشعب الفلسطيني”، في حين أن هذه الشعارات كثيرًا ما اتسمت بالبعد الدعائي أكثر من كونها التزامًا عمليًا؟

لقد تجلّت هذه السياسات أحيانًا بشكل مباشر وعلني، كما في القرارات التي اتخذها رضا شاه بهلوي بطرد جماعات يهودية من بعض المناطق الإيرانية وإجبارها على الانتقال إلى مراكز حضرية مثل طهران. وقد عانت هذه الجماعات – التي كانت تاريخيًا جزءًا من النسيج الاجتماعي في مناطق مثل الأحواز وأبو شهر وكرمانشاه – من صعوبات متعددة بعد التهجير، شملت فقدان مصادر الرزق المحلية، والاضطرار إلى الاندماج في بيئة ثقافية ولغوية مختلفة، فضلًا عن خسارة مكانتها الاقتصادية التقليدية التي كانت قد نسجتها عبر قرون في الأسواق التجارية المحلية.
وعلى المستوى الإقليمي، وظّفت الحكومات الإيرانية – سواء في عهد البهلويين أو الجمهورية الإسلامية – الصراع العربي الإسرائيلي كأداة سياسية. فهي لم تفعل ذلك بدافع “نصرة القضية الفلسطينية” بقدر ما كان هدفها توجيه أنظار الدول والشعوب المحيطة بعيدًا عن مسألة احتلال الأحواز وما يتصل بها من ثروات هائلة وموقع استراتيجي يفوق، من حيث الأهمية الجغرافية والاقتصادية، ما تمثّله فلسطين بالنسبة لإيران. بهذا المعنى، يمكن القول إن إذكاء الصراع مع إسرائيل، والتحريض على الكراهية ضد اليهود، مثّل أحد أسرار بقاء الدولة المركزية الإيرانية وهيمنتها منذ عام 1925 وحتى اليوم.
حتى في عهد الشاه محمد رضا بهلوي – الذي اتُّهم أحيانًا بعلاقات وطيدة مع إسرائيل – تكشف المصادر التاريخية عن دعمه السري لحركات فلسطينية من خلال قنوات مالية غير مباشرة، إلى جانب نسج تحالفات سياسية مع قادة عرب مثل أنور السادات والملك حسين. ومن ثمّ، فإن استثمار الصراع العربي الإسرائيلي لم يكن حكرًا على الجمهورية الإسلامية، بل كان جزءًا من منهج استراتيجي أوسع يوظف القضية الفلسطينية أداةً سياسية وإعلامية لإطالة عمر الدولة الإيرانية المركزية وإبعاد الأنظار عن سياساتها الداخلية والقومية.
من المرجّح أن يستمر هذا النهج السياسي في إيران، بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم المستقبلي، سواء كان علمانيًا، أو جمهوريًا، أو ملكيًا، أو حتى ذا صبغة دينية أو أيديولوجية مختلفة. فالمؤشرات التاريخية والسياسية تدل على أن أي سلطة تصل إلى سدة الحكم في طهران ستلجأ إلى توظيف الصراع العربي الإسرائيلي كأداة لضمان بقاء الدولة الإيرانية المركزية. وعليه، فإن الحل الجذري لا يكمن في تغيير شكل النظام السياسي فقط، بل في إعادة النظر في بنية الدولة ذاتها، وذلك عبر كسر مركزيتها المفرطة أو حتى إعادة تفكيكها. إذ يُمكن لمثل هذا التحول البنيوي أن يشكل ضمانة حقيقية لحماية شعوب المنطقة، ويسهم في خلق بيئة أكثر استقرارًا تعزز فرص السلام والهدوء بين إسرائيل وجوارها العربي.
أحد التناقضات المعاصرة هو أن الولايات المتحدة، التي وقعت تحت ضغط جماعات اللوبي الفارسي في الداخل الأمريكي على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، كانت تعتقد في البداية أن إيران قابلة للتغيير وأن القوى المعتدلة يمكن أن تسود. لكن الواقع أظهر عكس هذا الافتراض؛ فالمجموعات الفارسية التي تعمل تحت غطاء الديمقراطية وتسيطر على اتخاذ بعض القرارات في المؤسسات الأكاديمية والسياسية في أمريكا والدول الغربية، لا تمتلك سوى الأكاذيب والوعود الفارغة، وفي جوهرها تتبنى نفس الأفكار الفاشية في معاداة اليهود وإسرائيل.
تشير الأدلة إلى أن القوى الفارسية المعارضة للنظام الإيراني في الخارج قد تبنت نفس الخطاب المتطرف للنظام؛ من دعم الميليشيات في فلسطين ولبنان واليمن والعراق، إلى عرقلة أي عملية سلام وتحويل الاتفاقيات الدولية إلى شعارات جوفاء. كما أن محاولات تحقيق السلام بين الدول العربية وإسرائيل عام 1994 فشلت بسبب هذه التدخلات والخطاب المعادي لليهود.
تناقض آخر هو أن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، يبدو أنه يراهن على حفيد رضا خان بهلوي كبديل محتمل للنظام الإيراني، دون أن يأخذ بعين الاعتبار التاريخ الطويل لهذه العائلة في القمع والعنف ضد الأقليات الدينية. التاريخ يظهر أن أي توقع للاعتدال من هذا الحفيد في المستقبل قد يكون مضللاً؛ فقد حكم الجد والأب إيران لأكثر من خمسين عامًا – من رضا خان إلى محمد رضا بهلوي – ولم يدينوا أبدًا الجرائم ضد اليهود والصابئة والآشوريين، وحتى مجموعات مثل الدراويش والبهائيين.
اليوم يحاول البعض تصوير هذه العائلة كداعمة لليهود و«بديل معتدل» في مواجهة الجمهورية الإسلامية، لكن هذه الصورة غير صحيحة ومضللة. مثل هذه الادعاءات في الولايات المتحدة تتم عبر جماعات الضغط الفارسية، وبالأخص تلك التي أوصت بضرورة التساهل مع طهران في المجالات العسكرية والنووية، التساهل الذي أدى إلى الاتفاق النووي عام 2015، وبعد عشر سنوات اضطرت أمريكا وإسرائيل في النهاية إلى اتخاذ إجراءات عسكرية ضد إيران.
السؤال الأساسي ما زال قائمًا: هل نتنياهو يدرك الواقع التاريخي لهذه العائلة وإرثها العنيف تجاه الأقليات الدينية، أم أن كل شيء مجرد أداة دعائية في السياسة الدولية سيتم التخلي عنها بعد فترة؟
مركز دراسات عربستان الأحواز- حامد الكناني
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.