
الجزيرة نت- عشرةُ أعوام فقط، كانت كفيلة بخفض أعداد واحدة من أقدم الديانات ببلاد الرافدين، وهي الديانة المندائية، إلى النصف تقريبا، والأسباب متعددة ليس أقلها حوادث في ظاهرها ذات طابع جنائي، فيما قد تخفي خلفها أسبابا أخرى، حسب مصدر أمني.
الطائفة المندائية من أقدم الطوائف في العراق، ولها حضور بارز في جنوبه، خصوصا في محافظتي ذي قار وميسان، لكنها تعاني من هجرة أتباعها بشكل متزايد، خصوصا بعد العام 2003.
المندائية طائفة دينية موحدة تؤمن بالله الواحد. وتؤمن بالأنيباء آدم وشيت (شيتل حسب التسمية المندائية)، وكذلك النبي نوح وابنه سام، وإبراهيم، ويحيى بن زكريا، ولها كتاب مقدس من 600 صفحة يضم تعاليم عبادتهم، يسمى “كنزا ربا” ويعني “الكنز العظيم”.
ارتباط بالماء
للطائفة أيضا لغة دينية خاصة وهي لغة آرامية، يقتصر الحديث بها على طبقة رجال الدين، الذين يشكلون طبقة متنوعة ومصنفة بشكل تراتيبي، وتحتفل الطائفة بعيدين رئيسيين، هما “البرونايا (البنجة)، والعيد الصغير ويدعى “عيد الازدهار”.
يرتبط الصابئة المندائون ارتباطا وجوديا بالماء، فهو يدخل ضمن أحد أهم طقوسهم الدينية، وهو طقس التعميد، لذا تجد أن دور العبادة التي تحمل علامة الصليب تشيد بالقرب من الضفة اليمنى للنهر على أن يكون باب المعبد (المندي) موجها للجهة الجنوبية، ولا يتجاوز عدد المندائيين في العراق العشرة آلاف، بعدما كانوا ضعف هذا الرقم تقريبا قبل عام 2003.
وتعد هذه الإحصائيات تقريبية، لعدم تنظيم الإحصاء السكاني في البلاد منذ العام 1997، والذي لم يذكر فيه الدين، فيما تشير إحصائيات العام 1947 إلى أن عدد المندائين في العراق بلغ خمسة آلاف شخصاً، فيما يشير إحصاء العام 1977 إلى تسجيل 16 ألف مندائي في العراق. كما يتواجد أقلية من المندائيين في إقليم الأحواز العربي بإيران، ومن أشهر الشخصيات التي تنتمي لهذه الطائفة الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد.
تمثيل سياسي
الدكتور سامر نعيم حنظل -الذي يشغل منصب ممثل المجلس المندائي العراقي الذي يترأسه الشيخ ستار جبار الحلو في بغداد- يرى أن الحل لإيقاف هجرة أبناء الطائفة المندائية هو زيادة تمثيلهم السياسي في المحافظات التي يتواجدون فيها، ويقول حنظل للجزيرة نت إن المندائيين يطالبون ومنذ عدة أعوام بضرورة تعديل قانون الانتخابات للمجالس المحلية، ووضع كوتا خاصة للأقلية المندائية في مجالس محافظات الجنوب (البصرة وذي قار وميسان)، لضمان تمثيلهم في المجالس المحلية.
ويضيف أن أعداد المندائيين تتناقص بسبب موجات الهجرة والنزوح التي بدأت في سبعينيات القرن الماضي، واستمرت نظرا للظروف السياسية والأمنية المضطربة التي عانت منها البلاد.
ويشير حنظل إلى أن عدد المندائيين تقلص في محافظة ذي قار إلى ألفي شخص فقط بعدما كانوا أكثر من ضعفي هذا العدد قبل 2003، ويرى أن على البرلمان والحكومة أن يراعيا وجود هذه الأقلية الدينية، وتمنحهم خصوصية في المجالس التشريعية على الأقل لضمان تواصلهم معها بشكل أفضل.
من جهته يرى ممثل المجلس في ميسان بدر جاسم حمادي أن “ضعف الإجراءات القانونية، فضلا عن بعض الممارسات الاجتماعية الخاطئة ضد أتباع هذه الديانة، من قبل المجتمع المحلي الذي يجهل حقيقة الديانة المندائية، جعل الكثيرين من أبناء الطائفة يفكرون بالهجرة إلى خارج العراق”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن غياب مادة التربية الدينية التي تعرف بالأديان والطوائف التي تعيش في العراق جعل هذه الطائفة مجهولة بين العراقيين، رغم أنها تعيش في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
أحداث سياسية
في المقابل، يقلل ممثل الطائفة المندائية في البصرة الشيخ مازن نايف من أعداد العوائل المهاجرة من البصرة، مشيرا إلى التعايش السلمي الذي تشهده مدن الجنوب بين أبناء الطوائف والمذاهب الدينية، ويطالب بضرورة تعديل قانون الانتخابات المحلي لمنح هذه الأقلية الدينية فرصة لإيصال ممثلها في المجالس المحلية.
وعن أسباب الهجرة يقول الصحفي والمهتم بشؤون هذه الطائفة حسين العامل إن العراق يمتاز بتعدد طوائفه وأديانه التي تشكل فسيفساء متنوعة، وثراء كبيرا لوجوده الحضاري، إلا أن هذه الفسيفساء كانت عرضة للتخريب والتغييرات التي تقف خلفها في الأغلب أحداث سياسية، تؤدي إلى هجرة الأقليات الدينية أو اضطهادها وإجبارها على ترك ديانتها، مثلما يحدث الآن في شمال العراق.
ويضيف العامل للجزيرة نت أن الديانة المندائية قديمة غير تبشيرية يصل عدد أتباعها حول العالم إلى ستين ألف نسمة فقط.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.