
مركز دراسات عربستان الأحواز- حامد الكناني- إمارة المحمرة، المعروفة أيضاً بعربستان، كانت تتمتع بحكم موروثي شبه مستقل وواسع، في شؤونها الداخلية، بما في ذلك الإدارة المالية ووضع القوانين المحلية، دون تدخل مباشر من الحكومة القاجارية في طهران. وكانت تبعيتها للتاج القاجاري اسمية فقط، وهو ما يشبه العلاقة بين دول الكومنولث البريطاني قبل حصولها على استقلال كامل، مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا.
وفقاً للخرائط البريطانية عام 1918، تم تصنيف إمارة المحمرة كـ”دولة عربية تابعة لإيران” (Mohammerah – autonomous Arab State under Persia)، مما يعكس اعتراف المجتمع الدولي جزئياً بقدرتها على إدارة شؤونها الداخلية قبل أن تتعرض للسيطرة المركزية.
مع تأسيس الدولة البهلوية عام 1925 على يد رضا خان، شهدت الأحواز فقدان استقلالها الداخلي ونهب ثرواتها. شملت السياسات الإيرانية المركزية: تغيير التركيبة السكانية– القمع الثقافي– مصادرة الموارد
وواصلت هذه السياسات القمعية حتى بعد سقوط رضا خان واستمرار حكم محمد رضا بهلوي، واستمرت لاحقاً تحت الجمهورية الإسلامية. وقد أدى ذلك إلى تقويض الهوية العربية وحقوق السكان المحليين بشكل مستمر، وسط صمت دولي مطول.

الاعتراف الدولي والحماية النظرية
تشير الوثيقة البريطانية–الأمريكية–السوفيتية بتاريخ 25 ديسمبر 1945 إلى تشكيل لجنة ثلاثية لمراقبة شؤون إيران بعد الحرب العالمية الثانية. تضمنت البنود المهمة للأحواز:
اعترفت الوثيقة بأن وجود القوات الحليفة في إيران أدى إلى اضطراب الاقتصاد والنظام الحكومي وظهور صعوبات بين الحكومة المركزية وسكان بعض المحافظات، بما في ذلك العرب في الأحواز.
الدور الدولي: اعترفت القوى الكبرى بمسؤوليتها الجزئية وحاولت المساعدة في إعادة استقرار الوضع لصالح جميع مكونات السكان.
الحكم المحلي وحقوق الأقليات: نصت الوثيقة على تقديم المشورة للحكومة الإيرانية لإنشاء مجالس إقليمية وفق الدستور الإيراني، مع التأكيد على الاستخدام الحر للغات الأقليات مثل العربية والتركية والكردية للأغراض التعليمية وغيرها.
الإشراف على الانتخابات المحلية: أول انتخابات للمجالس الإقليمية كان من المقرر أن تُجرى تحت إشراف اللجنة الثلاثية، لضمان تطبيق الحقوق بشكل عملي.
حاولت الحكومة الفارسية آنذاك أن توحي للدول العظمى بأنها شرعت في تطبيق المشروع، فأعلنت عن تشكيل مجلس محلي في الأحواز. وتشير الوثائق البريطانية إلى أن رئيس المجلس، المدعو “آتشكَدي” وهو فارسي الأصل، قد بعث ببرقية إلى رئيس الوزراء الإيراني مطالبًا بمنح العرب حقوقًا مماثلة لتلك التي تعهّدت الدولة الإيرانية بمنحها للأتراك في أذربيجان.

في 15 يونيو، أرسل “آتشكدي”، الذي يتولى منصب الرئيس أو المنظِّم للمجلس الإقليمي غير المتماسك، برقية إلى طهران يهنئ فيها رئيس الوزراء على الاتفاق الذي تم قبل يومين بين الحكومة الإيرانية و”بيشهوَري” بشأن أذربيجان. وقد أعرب في البرقية عن أمله في أن تُمنح خوزستان امتيازات مماثلة لتلك التي مُنحت لأذربيجان. غير أن معظم أعضاء المجلس الآخرين أكدوا أنهم لم يوافقوا على إرسال هذه البرقية، وبعضهم قال إنه لم يطّلع عليها أصلًا.
وقد سارعت الصحف في طهران إلى تناول القضية بالتعليق، مشيرةً إلى أن ذلك قد يقتضي الاعتراف باللغة العربية في خوزستان، وما إلى ذلك. وبعد عشرة أيام، جاء رد رئيس الوزراء ببرود شديد، مما دفع المجلس إلى إعداد بيان تفسيري مطوّل، أوضح فيه أن غايته كانت فقط لفت الانتباه إلى الإهمال الذي أبدته السلطات المركزية تجاه هذه المحافظة حتى الآن، ونفى أن يكون هدفه المطالبة بتعليم اللغة العربية أو ما شابه. وأضافوا أن ما قيل لا يحمل أهمية كبيرة.
وقد شُجِّع استخدام العربية، لكن “فوت مصطفى” قدّم استقالته من المجلس، ويُقال إن “أميري” وعدة أشخاص آخرين في طريقهم للاستقالة أيضًا.
على الرغم من هذه الجهود الدولية، فإن الحكومة الإيرانية راوَغت ونسفت المشروع، وعادت لممارسة سياسة مركزية وقمعية، مما أجهض أي محاولة لاستعادة الحكم الذاتي.
توضح تجربة إمارة المحمرة أن هناك نموذجاً لإدارة ذاتية عربية داخل الدولة الفارسية، مع تبعية اسمية فقط، مشابه للتبعيات الكومنولثية قبل الاستقلال الكامل. ومع ذلك، فإن السياسات الإيرانية المركزية أجهضت هذه الإمكانية رغم الاعتراف الدولي الجزئي، واستمرت آثار هذه السياسات على الهوية العربية وحقوق السكان المحليين حتى اليوم.
الصراع بين الحكم المركزي والهوية المحلية: الأحواز مثال واضح على إلغاء الاستقلال الداخلي تحت ذرائع الوحدة الوطنية.
الدور الدولي محدود وغير فعال: القوى الكبرى حاولت التدخل (1945–1946) لكنه لم يُحدث فرقاً بسبب مقاومة الدولة المركزية، على الرغم من وضع إطار رسمي لمراقبة الانتخابات والإشراف على مجالس المحافظات.
أهمية الخرائط التاريخية: الخرائط البريطانية تشير إلى أن الأحواز كانت تُنظر دولياً ككيان مستقل داخلياً، وليس مجرد محافظة فارسية.
الاعتراف الحقوقي المبكر: نصت الوثيقة على حق الأقليات في استخدام لغتها الأم والمشاركة السياسية، مما يعكس أن هناك إمكانية تاريخية لتحقيق حكم ذاتي ضمن إطار الدولة المركزية، لو تم تطبيقه.
التطلعات المستقبلية للشعب الأحوازي

بعد مرور أكثر من مائة عام على فقدان استقلال الأحواز الداخلي عام 1925، وما تلا ذلك من سياسات قمعية ممنهجة، يبقى السؤال حول إمكانية استعادة جزء من الحقوق التاريخية للشعب الأحوازي في ظل الظروف الحالية في إيران. الأحداث الأخيرة، بما في ذلك الاضطرابات السياسية والاجتماعية في مختلف مناطق إيران، وتزايد المطالب الشعبية بالإصلاح والحكم المحلي، والانقسامات الداخلية في السلطة المركزية، قد تفتح نافذة ضيقة لإعادة النظر في مسألة الحكم الذاتي للشعوب غير الفارسية وعلى رأسهم العرب. وذلك نظرا لما كانت تتمتع به عربستان قبل احتلالها العسكري عام 1925.
الوثائق التاريخية، مثل مشروع اللجنة الثلاثية عام 1945، تظهر أن هناك إمكانات سابقة لتحقيق حكم ذاتي وإقرار الحقوق الثقافية والسياسية، وهو ما لم يُستغل آنذاك بسبب مقاومة الدولة المركزية. اليوم، ومع تزايد الضغط الداخلي والدولي على إيران لإجراء إصلاحات سياسية، يمكن للشعب الأحوازي أن يسعى إلى استعادة حقوقه التاريخية في التعليم بلغتهم، المشاركة السياسية المحلية، وإدارة شؤونهم الاقتصادية والثقافية ضمن إطار الدولة، أو الحصول على فرصة لتقرير المصير والاستقلال ان توفرت الظروف الإقليمية والدولية، إذا ما تم توظيف الفرص السياسية بحكمة.
في المجمل، وعلى الرغم من تحديات الواقع الراهن، فإن الاعتراف الدولي الجزئي في الماضي والمطالب المحلية المتزايدة اليوم يقدمان أساساً تاريخياً وسياسياً يمكن أن يشكل منصة لتحقيق نوع من التعويض الرمزي والعملي عن مائة عام من الاضطهاد والإقصاء.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.