مذكرات خطية بقلم الشيخ عبدالله بن الشيخ خزعل تروي لنا تفاصيل المؤامرة الدنيئة التي أدت إلى تقويض الحكم العربي في الأحواز

لندن- موقع كارون الثقافي- خاص حامد الكناني- حصلت أخيرا على عدد من الأوراق الخطية تعود لمسودة مذكرات الشيخ عبدالله بن الشيخ خزعل رحمه الله وقد كتبت بخط يده ولكنها غير مكتملة. ويبدو ان الشيخ عبدالله كتبها في آخر أيام حياته حين كان منفياً في مدينة لندن حيث توفى فيها عام 1994م.

أدناه أنقل لكم النص الذي جاء في هذه الأوراق دون تدخل أو تصرف من جانبي واترك التعليق للقارئ الكريم. ثم ساتحدث قليلاً عن موقف الشيخ خزعل من عدو حاقد تظاهر بالود و أقسم بكلام الله وتعهد أمام سفراء بريطانيا وشخصيات أحوازية وفارسية أنذاك، أن يكف عن العداوة لأمير الأحواز وأرضه وشعبه. ونزل بعدها ضيفاً على الشيخ خزعل في قصر الكمالية بالمحمرة ولقى ترحيباً وحفاوة عربية لا مثيل لها، لكن كما قال الشاعر العربي ابو الطيب المتنبي:”إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا“.

جاء في مذكرة الشيخ عبدالله:

“ولدت في المحمرة عاصمة عربستان سنة 1903 ميلادية، نشأت بين اخوالي (الإمارة) بني دارم. و في سنة 1910/11 ذهبت واخواني إلى المدرسه الامريكية مدرسة الرجاء العالي في البصرة. عند نشوب حرب 1914 م عدت واخواني إلى المحمرة وبعد نهاية الحرب درسنا على يد معلم في قصر والدنا لدراسة اللغة الانجليزية، بعدها عيّن اخي المرحوم عبد الحميد حاكماً للأحواز وكان … أخينا الأكبر المرحوم الشيخ جاسب ولي عهد و حاكم المحمرة وتوابعها.

 بعد ذلك حصل برود بين المرحوم والدي وأخي الأكبر الشيخ جاسب وعلى اثرها اعتلّت صحة أخي الشيخ جاسب واستأذن من المرحوم الوالد وسافر إلى انجلترا للتداوي. وعيّن خلفاً له أخي عبد المجيد حاكماً للمحمرة. بعدها اقتضت الظروف ان اعيّن حاكماً للمحمرة عوضاً عن أخي عبد المجيد. و بنفس الوقت حاكماً لعبادان حتى سنه 1925، خلال هذه السنة قد ثار أبي المرحوم على رضا بهلوي الذي كان رئيسا لوزراء إيران وطامعاً بعرشها.

و لقد ازداد التوتر بين رضا بهلوي وبين والدي وذلك قد جهزنا جيوشنا وأرسلنا على الحدود الإيرانيه جنوباً وشرقاً نقطة نقطة كما انه حكومة رضا بهلوي ايضا قد ارسلت جيوشها إلى بهبهان و خرم آباد (وكانت) في طريقها إلى عربستان ولقد تصادفت الجيوش في جبهة الجهة الجنوبية الشرقية في منطقة زيدان استمر القتال وعلى أثر المعركة الأولى الذي كان قائد جبهتها جدي الأمير عبد الله (التميمي) استشهد اثنين فيها من اخوالي وأفراد من قبيلتهم الشريفات ( دارم- بني تميم) وبنفس الوقت قتلت من الجيش الإيراني جماعة وتم اسر جماعة أخرى ايضا. وعلى أثر ذلك وجد رضا بهلوي انه من الأفضل الا يستمر بالتورط معنا بالحرب خوفا من الفضيحة (الهزيمة) لذا قد وسط سفير بريطانيا في طهران سير بيرسي لورين بان يتوسط وينهي سوء التفاهم بتفاهم تام بيننا وبينه. ونظرا للمعاهدة التي تربطنا ببريطانيا التي تعهدت بحفظ بلادنا مادياً وادبياً وسياسياً وعسكرياً في حال ان هوجمت من (قبل) إيران او أي دوله أجنبيه أخرى، وبهذا قد وافق المرحوم والدي على الوساطه المدارة بشروط والتعهد بين والدي و رضا بهلوي. وعلى أثرها توجه رضا بهلوي إلى عربستان لمواجهة والدي ودعم الصداقه والتفاهم التام بينهم، عند إذن آمر والدي بسحب الجيوش من الحدود و أمرني بنفس الوقت بالقيام بمراسم الاستقبال لرضا بهلوي رئيس وزراء إيران.

المقبور رضا خان البهلوي عند وصوله مدينة الأحواز وفي استقباله الشيخ عبدالكريم الشيخ خزعل ودبلوماسيين بريطانيين.

وقد وصل رضا بهلوي مستقبله على الحدود أخي عبد الكريم يصحبه إلى الأهواز وهناك كان والدي وأخي عبد الحميد وبعد التعانق والتصافح قرروا التوجه إلى المحمرة وأنا بدوري قد استقبلتهم ونزل رضا بهلوي ضيفاً علينا في قصرنا لمده أيام مع حاشيته المكونة من ستة ضباط وحوالي 12 جندي الأمر الذي جعل أحد حلفاء والدي وأصدقائه  هل يحذر والدي من غدر رضا بهلوي طالباً منه ان يقوم باغتيال المذكور غير ان والدي قد أجاب هو بصراحه باني سوف لا أسمح لأي كائن ان يعتدي على ضيفي ولو أعرف بذلك الضيف انه عدوا غدارا غشوم.

لقد ذهب رضا باهله وحاشيته يصحبه اخي عبد الكريم مندوب من قبل والدنا عن طريق العراق إلى طهران وترك ممثل عنه سرتيب فضل الله زاهدي لمراجعه والدي في الأمور والشئون التي تخص الدوله الإيرانيه وقطر عربستان وصار بين الحين والاخر يجتمع فضل الله زاهدي بوالدي حتى ان أصبح والدي يثق بفضل الله زاهدي ثقه عمياء لا يقدر أحد من عندنا ان يؤثر عليها الأمر الذي جعل فضل الله زاهدي يستقل طيبه قلب والدي وحسن نيته لاسيما بعد ان قرر والدي ان يترك أمور القطر لنا الاخوان وهو يستقر في البصرة بعيداً عن الأمور السياسية وغيرها، نعم لقد استغل فضل الله المذكور الوضع ودبّر مؤامرة بحسب ايعاز من رضا بهلوي إلى القاء القبض على والدي أو اغتياله مهما كلف الأمر خوفا من ان تحصل متاعب وثورات في عربستان إذا والدي استقر في العراق (البصرة),

   بعد ان مكث رضا بهلوي أيام قلائل في قصر والدي المعروف بالكماليه وبعد ان اعطاه الوعود والمواثيق قرر السفر  عن طريق العراق على طهران مودعا والدي توديع اخوي حار يصحبه اخي عبد الكريم الى طهران ليثبت والدي بذلك حسن نيته وصدق سريرته وثقته للحكومه الايرانيه ورئيسها رضا بهلوي.

ولكن كما قيل وفي خبث لا يخرج الا نكدا لقد أوعز رضا بهلوي بعد وصوله طهران لقائد حاميته في الأحواز فضل الله زاهدي بأن يحاول مضايقات والدي وذلك بالتدخل في شؤون القبائل ومدن المنطقة، بمعنى يظهر له الود من جهة والولاء ويعمل من جهة أخرى في التدخل في شؤون المنطقة واغراء بعض شيوخ المنطقة بالمواعيد ووجوه المنطقة المنافقين حتى على أثر ذلك طلب والدي بواسطتي و أوفدني والدي إلى فضل الله زاهدي  الذي كان موجود في الأحواز حينذاك، لأطلب منه الحضور إلى المحمرة لمواجهة والدي ولقد لبى المشار إليه هذا الطلب وحضر وتواجه مع والدي وكانت المواجهة سريه بين الوالد وفضل الله زاهدي وبعدها عاد المشار إليه إلى الأحواز وأخبرني والدي بانه عاتب المذكور وذكره بوعود رضا بهلوي و لكن كانت تلك الوعود في الحقيقة وعود عرقوب لا أساس لها من الصحة ومن الحقيقة … وبهذه ثبت لدى والدي مراوغة رضا بهلوي ورجاله في الأمر وكان وكما قال الشاعر يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب. وعلى أثر كل هذا لقد قرر والدي الابتعاد عن المنطقه وعدم الإتصال كما كانت العادة مع زاهدي واتباعه و ترك أخي عبد الحميد في الأحواز يتصل بزاهدي في المنطقة  في ما يخص الأمور وتركني في المحمرة  لهذا الغرض من ذلك وهو بدوره أخذ يتردد على البصرة ومكث في قصره هناك والمعروف بقصر الرباط … الأمر الذي جعل السلطات الإيرانيه تشك من أمره وأخذت تعطي التقارير إلى رضا بهلوي بهذا الصدد لاسيما والمشار إليه كان ينوي خلع أحمد شاه قاجار ليحل محل الشاه لإيران، فعلى ذلك صار يخشى أن والدي ترك عربستان ليعارض على هذا الأمر بالخارج ويتصل مباشرة بأحمد شاه في أوروبا و يعرقل طموحه، لذا قرر مهما كلفه الأمر ان يحضر والدي لطهران أو يقتله أو يغتاله، عندئذ أوعز لفضل الله زاهدي ممثله في القطر بأن يخط هكذا خطة…فضل الله قام بهذه المهمه…وقبض على والدي وأخي عبد الحميد بطريقه مفاجئة…

اليخت الذي نفذت على ظهره المؤامرة الفارسية والتي بدأت بخطف الشيخ خزعل وولي عهده الشيخ عبدالحميد وأدت إلى تكريس الإحتلال العسكري الفارسي على الأحواز ونهب ثرواتها واضطهاد شعبها العربي شر اضطهاد.

و كانت المؤامره ليلة 27 رمضان سنة 1343هـ كانت عندي مقابلة مع فضل زاهدي وطلب من عندي أن أخبر الوالد بانه آت لمواجهته عن موضوع هام، الأمر الذي جعلني ان اخبر الوالد في ما اراد والمواجهه تكون في البصره لا في الفيليه ولكن الوالد فضل المجيء إلى قصره ورجح المواجهه ان تكون على اليخت الذي في شط العرب مقابل القصر وتمت المواجهه بينهم فقط في ليله 26 رمضان (1343هـ) وطلب فضل الله من والدي انه جدا مشتاق لرؤية أخي عبد الحميد فإذا بوالدي يأمرني بأن أكتب لأخي أن يحضر للمواجهة. وقرروا الأثنين أن تكون الليلة القادمة هي ليلة 27 رمضان لقد حضر الأخ عبد الحميد، وواجهه السرتيب وكانت مواجهة مكشوفة…على ظهر يخت الوالد مع سرتيب زاهدي والضيوف الإيرانيين وآخرين…”

أمير الأحواز يرفض الغدر بـ ألد أعدائه

لا أريد ان اعلق على ماورد اعلاه من تفاصيل واترك الموضوع للقارئ الكريم لكن كما روى لنا الشيخ عبدالله بأن الشيخ خزعل أبى أن يغدر بألد أعدائه وهو رضا البهلوي الذي دخل أراضيه ضيفا واستقر في قصر الكمالية الواقع على ضفاف نهر كارون بمدينة المحمرة عدة ليال وكانت عملية اغتياله وتصفيته أمر سهل وبسيط للغاية.

روى لي الشيخ محمد كاظم الخاقاني نجل المرجع الشيعي الأحوازي آية الله محمد طاهر آل شبير الخاقاني عن والده عن الشيخ عبدالكريم الجزائري وهو رجل دين شيعي عربي كان محبا لأمير الأحواز وللشعب العربي الأحوازي، أن الشيخ عبدالكريم الجزائري ومعه مجموعة من وجهاء العراق كانوا قد ذهبوا للمحمرة للتضامن مع أمير الأحواز نهاية عام 1924 وصادفت رحلتهم وصول رضا خان البهلوي حيث شاهدوا ملامح الحقد والغضب والكراهية في هذا الرجل، لذا طلب الشيخ الجزائري من الشيخ خزعل أن يوعز لأحد أفراد الحرس الخزعلي أن يقوم بقتل رضا خان، لكن الشيخ خزعل رفض وقال: ” سوف لا اسمح بأي أحد كان أن يعتدي على ضيفي حتى وأن أعرف بان ذلك الضيف عدو غدار غشوم”. وها هو الشيخ عبدالله نجل الشيخ خزعل يؤيد الرواية في مذكراته الخطية حيث يقول:”استقبل أخي عبدالكريم رضا بهلوي على الحدود ليصحبه إلى الأحواز وكان والدي وأخي عبدالحميد باستقباله وبعد التعانق والتصافح قرروا التوجه إلى المحمرة وأنا بدوري قد استقبلتهم ونزل رضا بهلوي ضيقاً علينا في قصرنا لمدة أيام مع حاشيته المكونة من ستة ضباط وحوالي 12 جندي، الأمر الذي جعل أحد حلفاء والدي واصدقائه أن يحذر والدي من غدر رضا بهلوي طالباً أن يقوم باغتيال المذكور غير أن والدي قد اجابة بصراحة بأني سوف لا اسمح بأي احد كان أن يعتدي على ضيفي حتى وأن أعرف بان ذلك الضيف عدو غدار غشوم”.

تعرّض الشيخ خزعل بن جابر لأكبر مظلمة وعملية تشويه وتزوير فارسية حتى الآن، لم يكتفي الفرس بإحتلال بلاد هذا الأمير العربي ونهب ثرواته و تجويع شعبه فحسب بل عملوا بمنهجية لمسح كل معالم العروبة من الأحواز ونهب ثرواتها وتغيير وجوه الناس فيها وتركيب أقنعة وألسنة إيرانية كما قال الشاعر العراقي مظفر النواب في قصيدته المعروفة وتريات ليلية، كما اتفق الفرس بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية أن يعملوا معا على تشويه سمعة الأمير خزعل وإزالة مجده طيلة العقود الماضية.

الجنرال الفارسي المقبور فضل الله زاهدي

الشيخ خزعل الذي خاطب بكل جرأة ضباط الجيش البريطاني بعد الإنتهاء من العرض العسكري الذي قامت به القوات البريطانية نهاية عام 1916م بالقرب من المحمرة قائلاً :«من الجيّد  أن نرى هذه العلوم من خلال العرض العسكري لكننا نتطلع ونتمنى أن تحل علوم السلام مكان علوم الحرب والدمار في المستقبل» يصبح فيما بعد أسيرا لدى جندي فارسي أمي لا يجيد القراءة والكتابة أتى به الأجانب بعد ما كان يعمل سايس خيل في السفارة الهولندية بطهران. وتحتل بلاده عربستان الأحواز ويقهر شعبها من قبل جنود الفرس لأن أميرها كان يتطلع ويتمنى أن تحل علوم السلام مكان علوم الحرب والدمار!.

“إنه شخصية فذة من الشخصيات التي أنجبها العالم العربي بفخر واعتزاز في أوائل العصر الحديث مع بدء اكتشاف النفط في امارة الأحواز خاصة ومنطقة الخليج العربي بوجه عام. والنفط الذي تتهافت عليه كبرى دول العالم هو الذي أسهم في بلورة شخصية الشيخ خزعل وصقلها وجعل منه رائدا وقدوة كما جعل إمارته محط أطماع دول شتى كإيران وبريطانيا والدولة العثمانية وروسيا وفرنسا، تلك الدول التي عاصرته تألبت عليه واحدة إثر أخرى دون أن تتمكن من إخضاعه أو التلاعب به أو بمصير المنطقة الهامة من العالم التي وجد فيها. فالشيخ خزعل له من العزة العربية و ثاقب الرأي والبصيرة ما جعله سدا منيعاً في وجه كل منها”.(*)

(*)- مجموعة من المؤلفين، الشيخ خزعل أمير المحمرة، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 1989

كان الشيخ خزعل متفوقا على أقرانه من الحكام بتبني خطط عمرانية وتعامل حضاري وإنساني حتى مع ألد أعدائه وصاحب المواقف النبيلة مع أصحاب الديانات الأخرى ومنهم الصابئة المندائيين وأشقائنا المسيحيين حين ضاقت بهم الأرض خلال أحداث الحرب العالمية الأولى. والبلاد التي كان يعمها الأمن والاستقرار والسلام وكانت في طريقها للمزيد من التطور والعمران، وكان أميرها يطمح لتوظيف العلوم والتكنولوجيا الإنسانية لخدمة الأمن والسلام الدولي بدل الحرب والدمار ؛ سلمها المستعمر الغربي للفرس صونا لمصالحه ومكاسبه المادية ،كما فرض هذا المستعمر طوقا اعلاميا على الأحواز وعتم أخبار شعبها واعطى الفرصة للعنصرية الفارسية أن تفتك بالأحواز وبشعبها وأن تجعل من مدينة المحمرة الزهية وعروس الخليج وجوهرتها العربية مدينة فقر و جوع وحرمان.

تنويه: المنشور خاص بموقع كارون الثقافي- منشورات حامد الكناني. يرجئ عند النقل أو الاقتباس الإشارة للمصدر وشكرا.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: