بعد مقتل الحاكم الفارسي كريم خان زند قرابة عام 1192هـ، عمت الفوضى من جديد كافة انحاء حوض الخليج العربي، واختلت موازين القوى في المنطقة، فانقسم الساحل الايراني الى جبهتين متصارعتين الاولى بزعامة الشيخ ناصر بن مذكور بن ظاهر بن عبيد المطروشي حاكم بندر بوشهر والبحرين يسانده الشيخ صقر بن محمد بن ماجد الحرمي ([1]) حاكم عسيلوه والشيخ راشد بن مطر القاسمي حاكم راس الخيمة، في حين تراس الجبهه الأخرى الفارسي باقر خان التنجستاني حاكم تنجستان يسانده كل من الشيخ خاتم بن جبارة النصوري حاكم بندر الطاهرية والشيخ سليمان الكعبي حاكم المحمره، وخلال هذه الصراعات قتل الشيخ صقر بن محمد الحرمي حاكم عسيلوه وخلفه في الحكم الشيخ سيف الحرمي، وخلال سنوات الفوضى هذه استشعر عتوب الكويت وقطر بضعف الشيخ ناصر المطروشي حاكم بوشهر وجزيرة البحرين نظرا لعدم وجود حكومة مركزية في ايران تدعم حكمه في جزيرة البحرين، لذا هاجم العتوب جزيرة البحرين واستولوا عليها في عام 1197هـ، وبذلك اصبح العتوب يسيطرون على غالبية الاراضي الساحلية الواقعة بين الكويت وقطر بما في ذلك جزيرة البحرين، وقابل اتساع نفوذ العتوب في شرق الجزيرة العربية انحسار نفوذ دولة بني خالد بشكل تدريجي امام تنامي قوة الدولة السعودية الاولى في نجد حيث كثف السعوديون هجماتهم الاستنزافية على قوة بني خالد في كل من الاحساء والقطيف حتى تسنى لهم القضاء على دولة بني خالد نهائيا قرابة عام 1206ه والسيطرة على الاحساء والقطيف وبذلك اصبح للسعودييون منفذ على مياه الخليج العربي، أما فيما يخص سواحل عمان الشمالية (دولة الامارات العربية المتحدة حاليا) فقد كانت تحت السيطرة المطلقة للقواسم بما في ذلك الجزء الجنوبي من شبة الجزيرة القطرية (الدرر المفاخر+ عقد النحرين)، وفي الوقت ذاته كان الصراع مستعرا بين الشيخ صقر بن سلطان القاسمي حاكم راس الخيمة والامام احمد بن سعيد البوسعيدي حاكم عمان، في محاولة من الامام لاعادة مد نفوذه على منطقة ساحل عمان الشمالي المنطقة التي سيطر عليها القواسم بعد انهيار دولة اليعاربة، فهذا هو وضع الخليج السياسي الذي رافق ظهور الشيخ سيف كحاكم لامارة ال حرم في عسلوه وتوابعها ([2]).
وصف مشيخة عسلوه في عام 1801م (1215هـ):
من الجلي جدا بان مشيخة آل حرم عبر مختلف الفترات كان لها مركزين او عاصمتيين هما عسيلوة ونابند ويتبع لهذين المركزين مجموعة من القرى الساحلية الصغيرة تسكنها ثلاث عشائر رئيسية هم آل حرم وبنوتميم وبنو مالك، ووفقا لنظام الحكم العشائري التقليدي في هذه المشيخه فقد كان الحاكم الرئيسي في نابند او عسيلوه يعيننون شيوخ او عمد (كتخدا) على القرى الصغيرة التابعة للمشيخه، وتعتمد المشيخه على رجال هذه القبائل الثلاث وبقية سكان القرى لحشد القوى العسكرية في حالة الحرب ويذكر في المصادر الاوربية المعاصرة لفترة حكم الشيخ سيف الحرم بان القوة القتالية لمشيخة عسيلوة كانت قرابة 600 مقاتل، علما بان هذه العدد بالامكان مضاعفته في حالة توفر المال باستاجار مقاتلين من منطقة الداخل العجمية كـ (كلدار) وتوابعها بشرط توفر موافقة فارسية مركزية على الاعمال الحربية، وفي عام 1801م (1215هـ) كانت مشيخة ال حرم منقسمة الى مشيخةنابند ويحكمها الشيخ عبدالرحمن الذي تحدثنا عنه في الفصل السابق بالتفصيل، ومشيخة عسيلوه التي يحكمها الشيخ سيف والشيخ حرمي، وعسيلوة على كل حال هي قرية هامه في منطقة برفارس تقع في الجهه الشمالية الغربية عند مدخل خليج نابند الذي يبلغ طولة قرابة الميل انظر الخارطة رقم (1) وقرية عسيلوة محمية بقلعة (اجلعه) انظر الوثائق، والسكان يمتلكون عدد من القوارب التجارية التي تعمل في صيد اللؤلؤ، وهذه القرية محاطه بجبال يصل ارتفاعها الى نحو 1000 قدم عن مستوى الساحل، وفي اي مكان على حافة الماء يوجد مركب راسي، والمرسى قبل القرية محمي بشكل جيد من الرياح الجنوبيه الشرقية، ولكن المياه قوية جدا كلما اتجهت الى الى الجهه الشمالية الغربية، وعلى بعد ميل ونصف الميل اعلى الخليج وخارج القرية عند الاحداثي (12 N) و (15 W)، يكون العمق ثلاثة ونصف الى اربعة قامات وتجد منطقة محمية ومناسبة لرسو السفن، وبالمرور بالقرية البرتغالية المحصنة بالجبال المحيطه بها.
يقع ميناء اعسلوه في منتصف الساحل بين بندر لنجه وبندر بوشهر، واعسلو تفتح على خليج نابند كما هو موضح في الشكل رقم (1)، وترد الاشارة الى الشيخ سيف الحرم كحاكم لمشيخة اعسلوه في عام 1801م، وعن هذه الفترة يذكر المؤرخ الانجليزي “لوريمر” بأن مشيخة آل حرم كانت منقسمة الى مشيخة نانبد بزعامة الشيخ عبدالرحمن ومشيخة اعسلوه بزعامة الشيخ سيف والشيخ حرمي، وبذلك يتضح لنا بأن الشيخ سيف لم يكن الحاكم الوحيد في اعسلوه خلال تلك الفترة فقد كان الشيخ حرمي يشاطره في حكم وادارة مشيخة “اعسلوه” وتوابعها وعليه فمن غير المستبعد أن يكون الشيخ حرمي شقيقا للشيخ سيف، مع العلم بان الشيخ حرمي لم يتمتع بنفس الشهرة التي تمتع بها الشيخ سيف كما سيتضح لنا من خلال استعراض اهم الاحداث التاريخية خلال هذه الفترة، وكانت قرية أعسلوه محمية بقلعة (انظر سرباباد) قويه كانت محل اقامة الشيخ سيف وافراد اسرته، واما عن القوة العسكرية لمشيخة اعسلوه فانها وفقا لوصف الكابتن ديفيد سيتون الذي زار اعسلوه في 20 نوفمبر
1801م (1216هـ تقريبا) وتقابل مع الشيخ سيف فيقول عن ذلك التالي (
[3]):
… الشيخ سيف من قبيلة آل حرم وهو يقيم في عسيلوه ويبلغ تعداد قواته 600 رجل، وكان على علاقه طيبه مع الامام السيد سلطان بن أحمد البوسعيد… انتهى.
القوى المحيطة بمشيخة عسيلوه:
يبدو ان قوة ال حرم خلال فترة حكم كريم خان زند تراجعت كثيرا امام تزايد قوة ونفوذ قبيلة النصور وقبيلة بني معين حيث يلاحظ من خلال وصف ديفيد سيتون بان ال حرم تاتي في ذيل القائمة وفيما يلي جدول يوضح ترتيب قوة آل حرم في عام 1801 مقارنة بقبائل برفارس المجاورة لها:
آل نصور – الشيخ احمد بن خاتم بن جبارة النصوري – كنكون – 2000 مقاتل.
بني معين – الشيخ رحمه المعيني – هندرابي وشتوار وجزيرة شيخ شعيب ونخيلوه – 1000 مقاتل.
آل علي – الشيخ بركات بن حسن آل علي – جارك – 700 مقاتل.
آل حرم – الشيخ سيف بن محمد الحرمي – عسيلوه – 600 مقاتل.
بني حماد – الشيخ عبدالرحمن بن علاق الحمادي – نخيلوه – 300 مقاتل.
وغير صحيح ان قبيلة بني مالك كانت تابعة لقبيلة آل حرم خلال هذه الفترة كما ذكر مؤلف كتاب صهوة الفارس وانما كانوا تابعين لسلطة جبارة بن محمد شيخ كنكون كما جاء في خبر ارسال بني مالك لحرب ال سعود…الخ.
وكان نمط المعيشه خلال فترة الشخ سيف نمط قبلي عشائري لم يتغير حيث ان وصف ال حرم جاء في تقرير لشركة فوك يفيد بانه نظام قبلي وجاء تقرير انجليز بعد او خلال فترة حياة الشيخ سيف (مختارات بومباتي) يفيد بان هذا النمط لم يتغير حتى عام 1239هـ.
تنامي النفوذ العماني في المنطقة بالتحالف مع انجلترا عام 1800م:
في الوقت الذي استولى فيه الشيخ سيف الحرمي على سدة الحكم في مشيخة عسلوه، كان الانجليز يمثلون الحكومة الاوربية
الوحيده المتفردة في حكم شبه القارة الهندية، ولكن هذا الانفراد بالسلطة كان خلال هذه الفترة مهدد من قبل الفرنسيين الذين تمكنوا خلال هذه الفترة من ارسال سفنهم التجارية الى سواحل عمان وفارس والهند اضافة الى تمكنهم من احتلال مصر في 1799م
مما اتاح لهم التحرك بحرية في الاراضي العثمانية (شبة الجزيرة العربية) ومياه البحر الاحمر، وهذا التوسع اقلق الانجليز كثيرا مما دفع بهم الى التحرك المعاكس لصد التوسع الفرنسي ومنع وصولهم الى منطقة الخليج العربي والهند او تغلغلهم في المنطقة،
فكان من اهم نتائج هذا التحرك تاسيس وكالة بريطانية في مسقط وقاعدة حربية في جزيرة قشم عند مدخل مضيق باب السلام (مضيق هرمز)، وبعد هذا التحرك مباشرة تم توقيع اتفاقية بين بريطانيا والسيد سلطان بن احمد البوسعيد امام عمان في عام 1798م لضمان وضع حد لتعاملات الامام العماني من الفرنسيين والهولنديين (
[4]) وبسرعة كبيرة استغل الانجليز الاتفاقية الانجلو عمانية لبسط نفوذهم في منطقة الخليج العربي فبدأو اعمالهم بفرض جوازات للعبور وقاموا باعتراض السفن التجارية الداخلة والخارجة من والى الخليج العربي بهدف التحقق من هويتها ([5])، ثم تطورت الامور الى ارسال سفن حربية لتاديب الخارجين على القانون الانجليزي العماني في الخليج، هذه الامور ادت في نهاية المطاف الى نشوء تحالف سعودي قاسمي
نتج عنه ثورة ضد عمان وانجلترا فبدأت عمليات اعتراض السفن العمانية الانجليزية في مياه الخليج العربي ([6])، وعلى كل حال كانت قبيلة آل حرم في عسلو ونابند خلال هذه الفترة لاتزال مرتبطة بحلف القواسم التاريخي القديم لذا كانت بريطانيا تنظر اليهم نظرة ريبه وشك مما دفع بانجلترا الى اعتراض سفنهم التجارية التي كانت تبحر الى الهند بقصد التجارة.
قضية السفينة هيكتور وألرت:
بعد أن فرض الانجليز جوازات سفر على السفن الداخلة او الخارجة الى منطقة الخليج العربي، انتقلت بريطانيا الى اختلاق
الذرائع لاخضاع العرب لسيطرتها واجبارهم على التقيد بتعليمات سفن الدوريات الحربية البريطانية وفي هذا الجزء سنركز على الاحداث ذات العلاقة بتاريخ الشيخ سيف الحرمي حاكم عسيلوه:
في شهر مايو 1803م (1218هـ) كانت السفينة التجارية الانجليزية “هكتور” في طريقها من بومباي الى بوشهر والبصرة حاملة 850 بالة من بضائع شركة الهند الشرقية الانجليزية واثناء هذه الرحلة ارتطمت عند ميناء نخيلو الخاضع خلال تلك الفترة لحكم الشيخ رحمة المعيني، وعند ذلك اطلق قبطان السفينة عدة طلقات من مدفع السفينة كاشارة لطلب النجدة، فجاء اليه الشيخ رحمة المعيني حاكم بندر نخيلو ومعه عدد كبير من المراكب وطرد القبطان والبحارة واستولى هو نفسه على السفينة بكل محتوياتها، وبعد مدة من الزمن وصل قائد السفينة والبحارة الى ميناء مسقط من هناك تابعوا رحلتهم الى الهند.
وفي شهر اغسطس 1803م (1218هـ) ادت عاصفة شديدة الى جنوح سفينة انجليزية أخرى تابعة لشركة الهند الشرقية تدعى (ألرت) عند جزيرة الشيخ شعيب بالقرب من نخيلو الخاضعة لحكم الشيخ رحمة المعيني، هذه السفينة كانت مخصصة لنقل البريد، وعندما وصل خبر جنوح هذه السفينة الى اسماع سكان الساحل المجاوريين وصل منهم قرابة 500 شخص وحملوا جميع ما عليها من بضاعة كانت تحملها الى البصرة وبوشهر وبومباي، ولم يلتفت اي منهم الى احتجاجات قبطان السفينه الذي اشار
اليهم بعلاقات الصداقة التي تربط حكومة بريطانيا وايران، وفي اليوم الثالث من الحادثة زار السفينة المحطمة (ألرت) الشيخ رحمة المعيني واخذ ما وجده من بقايا ذات قيمة ولم يترك الا كيسين من الارز فقط ليكون تموينا لثلاثين او اربعين رجلا من
طاقمها، كما اخذت بعض الرسائل واعيدت منها رسالة اوروبية مفتوحة.
ووفقا لوجهة نظر الشيخ رحمة المعيني فانه ورعاياه لم يتعرضوا للسفينتين الانجليزيتين (هيكتور وألرت) وانما هبوا لنجدتها وتمكنوا من انقاذ احدى السفينتين، وانه و وفقا للعرف السائد فانه كان من حقه المطالبة للحصول على اجر مقابل هذا العمل، واضاف بان السفينتين غرقتا بالقرب من الساحل نتيجة لظروف الطبيعية وعليه فان من حق السكان الحصول على الثروة الناتجة عن غرق أي سفينه، وبالفعل استطاع الشيخ ارحمة المعيني اقناع الحكومة الايرانية ببطلان ادعاء الانجليز، وعلى الرغم من وجاهة دفاع الشيخ رحمة المعيني عن نفسه وشعبة، وبالرغم من وضوح الحادثة الا ان الانجليز اتخذوا من هذه الحادثة ذريعة لانزال العقاب الجماعي على سكان الساحل، لذلك نجد بريطانيا تتهم في هذه القضية الشيخ سيف والشيخ حرمي حكام بندر عسلو والشيخ عبدالرحمن الحرمي حاكم بندر نابند وبحجة حصلوا على ربح مشترك من بضائع السفن الانجليزية الغارقة ([7])، علما بان الذنب الوحيد الذي ارتكبه الشيوخ آل حرم هو التزامهم بالحلف مع الشيخ رحمة المعيني وشيوخ القواسم في لنجه وراس الخيمة.
الشيخ سيف بن صقر الحرمي وعلاقته باحداث نخيلوه:
نلاحظ بان المصادر الانجليزية تتابع الحديث عن دور ما للشيخ سيف الحرم حاكم عسلوه في تطورات احداث غرق السفينتين
البريطانية “هيكتور وألرت” حيث يذكر بان الشيخ سيف الحرمي كان على علاقة وطيدة بالشيخ رحمة المعيني حاكم نخيلوه وهذه العلاقة تسببت للشيخ سيف الحرمي بكثير من المتاعب فقد تسببت هذه العلاقة بتوجيه بريطانيا الاتهام المباشر الى الشيخ سيف
الحرمي بالتورط في الاستفادة من عائدات بضائع السفين الغارقة “هيكتور والرت” كما وتحدثت التقارير البريطانية وبختصار شديد عن دور الوساطة الذي لعبه الشيخ لسيف الحرمي في التوسط لانهاء تمرد الشيخ رحمة المعيني ضد بريطانيا وفارس، وفيما يلي سنستعرض تفاصيل هذه الاحداث.
كعادة المستعمر الغربي الذي لايزال يمارس نفس الاسوب حتى في هذه الايام بخلق الذرائع لتمرير مخططاته الاستعمارية، لذا نجد انجلترا قد اتخذت من قضية غرق السفينتين (هيكتور وألرت) ذريعه لتمرير مخطط اخضاع العرب لسيطرتها وفي حالة المقاومة او الرفض فان عليهم دفع الثمن بتدمير قراهم وتهجيرهم، حيث يذكر في المصادر الانجليزية بانه وفي يوليو 1804م (1219هـ) سافر المسؤول البريطاني في ميناء ابوشهر ” المستر مانستي” على راس بعثة تمثل حكومة الهند الى طهران وحصل من الشاه على فرمان موجه الى للامير حاكم شيراز يامره فيه بتسوية سريعة لمشكلة نخيلوه، فتحرك زكي خان وارسل بقوة حربية الى قبيلة عربية (غالبا المقصود المطاريش حكام بندر بوشهر) كانت على عداء مع الشيخ رحمة المعيني حاكم نخيلوه لمهاجمة بني معين، وعندما علم الشيخ رحمة المعيني بخبر هذه الحملة ترك نخيلوه في منتطف سنة 1804م وانسحب مع عائلته الى
جزيرة الشيخ شعيب يرافقه 700 شخص من اتباعه، وبنى في جزيرة الشيخ شعيب برجين للدفاع ووطد علاقته مع الوهابيين وكان موقفه ايجابي لانه كان يستطيع تحريك 1000 فارس للمشاركة في العمليات الحربية، ويبدو من وصف المؤرخ الانجليزي
“لوريمر” بان الشيخ سيف الحرمي كان حليفا للشيخ رحمة المعيني وجميعهم كانوا ضمن حلف القواسم والوهابيين حيث ان لوريمر يذكر النص التالي([8]):
… وقد عزم على ان يتخذ من شعيب (المقصود رحمة المعيني) اقامة دائمة فبنى برجين للدفاع ووطد علاقات ودية قوية مع الوهابيين….. وكان على صلة بمشايخ جارك (آل علي) وعسلو (آل حرم) وكانجون (آل نصور) على الجانب
الايراني من الخليج، وبزعماء رأس الخيمة (القواسم) والزبارة (العتوب) من ناحية شبة الجزيرة العربية. انتهى.
وعندما فشلت الحملة الفارسية في تاديب الشيخ رحمة المعيني نظرا لتحصنه في جزيرة الشيخ شعيب بعيدا عن سواحل نخيلوه، لذا تقدم السير ديفيد سيتون المعتمد البريطاني في مسقط باقتراح بهجوم بريطاني على جزيرة الشيخ شعيب بالاشتراك مع سلطان عمان ولكن هذا الطلب رفض في البداية من قبل حكومة بومباي، ولكن بعد تدخل الملازم بروس المعتمد البريطاني في ابوشهر جاءت الموافقة، فابحر الشيخ نصر المذكور باسطول الى جزيرة الشيخ شعيب وقدم السير سيتون الطراد البريطاني “مورننجتون” كمساعدة له ولكن الشيخ نصر رفض الدعم البريطاني نظرا لعدم رغبته الفعلية في الاضرار بالشيخ رحمة المعيني واقاربة العرب، حيث تذكر التقارير الانجليزية بان الشيخ نصر ال مذكور كان يطلق بضعة مدافع كل يوم كموضوع شكلي، ويذهب في المساء الى الشاطئ لتناول وجبة العشاء مع الشيخ رحمة المعيني، وفي النهاية تمكن الانجليز من القبض على ابن الشيخ رحمة واخذه رهينه الى مسقط وبالتالي اجبار الشيخ رحمة على دفع كامل الخسائر الناتجة عن غرق السفن البريطانية.
ويبدو لي من سياق الاحداث بان الشيخ سيف الحرمي حاكم عسيلوه كلف من قبل الحكومة الفارسية كوسيط لانهاء هذه الازمة التي قد ينتج عنها تعرض جزيرة الشيخ شعيب للاحراق من قبل السفن الحربية الانجليزية، ونستطيع ان نستشف من رواية “لوريمر” لهذه الاحداث بان وساطة الشيخ سيف الحرمي انتهت بخضوع الشيخ رحمة المعيني للمطالب الانجليزية بقبول البحث عن بضائع السفن “هيكتور والرت” واعادتها للانجليز او سداد قيمة الخسائر كاملة، ولضمان تنفيذ هذه الشروط اخذت الحكومة الانجليزية ابن الشيخ رحمة المعيني اسيرا الى مسقط([9]).
اشتراك الشيخ سيف الحرمي في الصراع العماني على السلطة:
كذلك يفهم من احداث هذه الفترة (1210-1230هـ) بان مشيخة آل حرم في كل من “نابند وعسلوه” كانت على تواصل
وارتباط قوي بالعتوب والوهابيون المسيطرين على اراضي شبة الجزيرة القطرية، فهذه الفترة بالتحديد هي فترة تنامي القوة الوهابية في كل من القطيف والاحساء وقطر وساحل عمان، وخلال هذه الفترة حدث انسجام وتعاون سعودي قاسمي استغله القواسم للحد
من اطماع العمانيين التوسعية في منطقة مضيق هرمز، ونظرا لطبيعة العلاقة التي كانت تربط قبيلة ال حرم بالقواسم والتي تحدثنا عنها بالتفصيل في الفصل السابق عند الحديث عن فترة حكم الشيخ صقر بن محمد آل حرمي، لذا فان علاقة الشيخ سيف بن صقر الحرمي توثقة كثيرا بالسعوديين في جزيرة قطر وتعاون معهم نظرا لتوافق توجهاتم مع توجهات وطموح الحكومة القاسمية في راس الخيمة ولنجه، وطبيعة هذه العلاقة تتجلى بوضوح في مشاركة قبيلة آل حرم في دعم الوهابي سيد بدر بن سيف البوسعيدي حليف السعوديين المنشق عن حكومة عمه في مسقط والذي كان يقيم اقامة دائمة مع الوهابيين
في بلدة الزبارة القطرية، وقصة هذا التعاون الحرمي الوهابي كانت كما يلي:
انه في عام 1219هـ اثناء مرور حاكم عمان السيد سلطان بن الامام احمد البوسعيدي بجزيرة القسم عائدا من البصرة فصادف وقت مروره ان اعترضته ثلاث سفن لقبيلة الشويهيين الهوله ([10]) اهل جلفار وقتل في هذه الحادثة ودفن في بندر لنجه ([11])، وبعد وفاة السيد سلطان بويع ابنه السيد سعيد امام على عمان، ولم يقبل بهذه البيعة عمه السيد قيس ابن الامام احمد البوسعيدي والي صحار فجمع انصاره وهاجم مسقط مقر اقامة السيد سعيد بن سلطان وعندما اشتدت الحرب على اهل مسقط ارسلت السيدة موزة بنت الامام احمد البوسعيدي الشيخ علي بن فاضل الشيعي الى قطر لطلب النجده من السيد بدر بن سيف بن الامام احمد البوسعيدي فلما بلغه الخبر ركب على سفينه صغيرة الى مسقط فلما وصل فوض له السيد سعيد الامر، ومما يذكر بهذا الخصوص بان الشيخ سيف بن صقر الحرمي حاكم عسيلوه ارسل 300 رجل من قبيلة ال حرم لنصرة السيد بدر بن سيف البوسعيدي، في حين ارسل الشيخ رحمة بن جابر الجلاهمة العتبي قرابة 500 رجل من قبيلة العتوب ([12]) وبهذا الدعم تمكن السيد بدر من السيطرة على العاصمة مسقط وتثبيت حكمه فيها.
بريطانيا تصادر سفن قبيلة ال حرم التجارية في الهند عام 1806م:
ويبدو من سياق الاحداث بان بريطانيا لم ترق لها سياسة الشيخ سيف ال حرمي وانسجامه التام مع الوهابين في الزبارة ومشاركتهم في تعزيز تغلغل النفوذ الوهابيين في عمان بدعم السيد بدر البوسعيدي، لذا فان بريطانيا تجاهلت جهود الوساطة التي قام بها الشيخ سيف بن صقر الحرمي لحل ازمة نخيلوه وجزيرة الشيخ شعيب وقامت في عام 1806م (1221هـ) بحجز
سفن قبيلة آل حرم التابعة لمواني الشيخ سيف بن صقر الحرمي حاكم عسيلوه والشيخ عبدالرحمن الحرمي حاكم نابند، التي صادف ان كانت في زيارة للهند، وقبل اطلاق صراح هذه السفن قدمت ضمانات صالحة لمدة تسعة اشهر بشرط قبول الشخين لتحقيق، ونظرا لذلك قدم الامير الحاكم لشيراز احتجاجا ضد حكومة بومباي لمصادرتها السفن وذكر ان الشيخ سيف الحرمي هو من الزعماء المحترمين، وقد استخدمته الحكومة الايرانية في اعادة الشيخ رحمة للطاعة، وطلبت من حكومة بومباي الا يتخذ ضده اي اجراء، وقد اوضح المستر بروس ايضا ان الادلة الخاصة باعتداءات الشيخين غير كافية وبذلك اوقف اخيرا الادعاء
ضدهما ([13]).
حملات بريطانيا للتفيش عن القراصنة في موانئ بر فارس عام 1809م:
تفيد المصادر التاريخية المختلفة بانه وخلال فترة حكم الشيخ سيف ال حرم انفصل الساحل الايراني عن فارس ودخل تحت سيطرة الوهابيين (ال سعود والقواسم) وهذا الانفصال لم يكن له ان يتحقق لو لم يجد المساندة من القبائل العربية في البر الايراني فقد جاء في تقرير انجليزي محرر عام في 9 مارس عام 1809م عن هذه الفترة التالي ([14]):
…استولت القوات الفارسية على بستك وتم ارسال القادة من الرجال مع اسرهم الى شيراز وذلك بسبب عدم دفع الجزية لسنوات عديدة حيث زعموا ان الاراضي التابعة لهم مثال جارك وشيوة قد اصبحت ضمن ممتلكات الوهابيين ولم يعرف بعد مدى استعداد القوة للتحرك لتحرير تلك المناطق. انتهى.
واما المؤرخ الانجليزي “لوريمر” فيذكر بانه وعند التخطيط لارسال حملات انجليزية ضد القواسم في راس الخيمة في عام 1809م، كان على الانجليز اخذ الاذن ايضا من الحكومة الايرانية لمهاجمة العرب المشاركين لهم ويتعاطفون معهم في الساحل الايراني، وبناء على ذلك ارسل الانجليز بطلب السماح لمهاجمة الموانئ العربية في سواحل الجهة الايرانية كما وطلبوا من الحكومة الايرانية ارسال عشرة الاف جندي (خرافة القرصنة ج1) لدعم هذه المهمة ولكن الحكومة الايرانية لم تلتزم بذلك، وفيما يلي نص التعليمات الانجليزية بهذا الخصوص([15]):
…على أية حال لا داعي للتردد في التقدم للقضاء على القراصنة البحرية في ذلك الجانب من الخليج حيثما تتاكدون من
وجودهم آخذين في اعتباركم ان تتصرفوا في جميع الاحوال بكل احترام ويجب ان تشرحوا للجميع كلما دعت الظروف ان الحكومة البريطانية ليس لها اي غرض آخر سوى تخليص التجارة من العوائق والخسائر التي حلت بها في الوقت الحاضر والتي بقيت معرضة لهجمات القواسم البربرية والقراصنة الآخرين، وليس لنا أية نية لاحتلال أي جزء من الاراضي او الاساءة لاي احد من رعايا ايران المخلصين حفظا للصداقة الوطيدة بين الدولتين. انتهى.
وبالفعل زارت سفن الاسطول البريطاني كامل الشريط الساحلي الذي تستوطنه القابئل العربية السنية الموالية للقواسم في كل
من كنكون ونخيلوه وجارك ومغوه وكنج وحميران وبند معلم وفتشتها بالذات في نوفمبر سنة 1809م (1224هـ) ويناير سنة 1810م، ولكن لم تعثر على سفن للقراصنة في اي من هذه الاماكن الا في مغوه حيث حطمت اربع سفن تخص الشارقة، وفي هذا العام تحدث الانجليز عن موضوع غاية في الاهمية حيث يذكر بان الشيخ عبدالرحمن ال حرم حاكم نابند كان خاضع لسيطرة الشيخ رحمة المعيني الانصاري (ورد في مخطوطة الجواهر واللآلئ في تاريخ عمان الشمالي، تاليف عبدالله بن صالح المطوع في الصفحة 129، 127… بني معين حكام الجسم من آل بخريبان من النعيم احدى كبريات القبائل العربية ولقد كنا نقول ولا نزال نقول انها تنحدر من احدى قبيلتي الأنصار وهما الاوس والخزرج) حاكم نخيلوه لذا كان اهالي نابند مستقلين عنه وكانت نابند خلال تلك الفترة ملجاء للقراصنة، وفي هذه السنة 1809م تحرر الشيخ عبدالرحمن ال حرم من هذه السيطرة بعد وفاة الشيخ رحمة المعيني اصبح ابنه حاكم لبندر نخيلوه واصبحت نابند مستقلة عن مشيخة بني معين، في حين ان ابن الشيخ رحمة المعيني ارتبط باخ الشيخ عبدالرحمن ال حرم (ربما المقصود سيف الحرمي) والشيخ جبارة بن محمد النصوري ([16]).
1215هـ الحرم تشارك في حصار البحرين انظر مخطوطة مذكرات ملاح من ابوشهر….
الشيخ سيف ال حرم يتحول بالولاء من القواسم الى البوسعيد:
في فترة السيد سلطان بن احمد البوسعيدي عندما كانت الجبهة العمانية متماسكة زار السيد سلطان سواحل فارس عام 1801م وتقابل مع الشيخ سيف الحرمي حاكم عسيلو ويذكر ديفيد سيتون عن هذه الفترة بان الشيخ سيف كان في سلام مع السيد سلطان بن احمد البوسعيد وكان لا يمانع في العمل لحسابه([17])، ولكن وكما مر بنا سابقا فانه وبعد اضطراب الجبهة الداخلية في عمان بمقتل السيد سلطان تزايد نفوذ القواسم وحلفائهم الوهابيين وساهموا في دعم السيد بدر البوسعيدي وخلال هذه المرحلة كان الشيخ سيف حليفا لفريق الوهابي القاسمي، ولكن وبعد ان اجهز الانجليز على القوى القاسمية في منطقة حوض الخليج العربي بعد ارسال الحملات المتكرره تنامى نفوذ الحاكم العماني السيد سعيد بن سلطان بن احمد البوسعيدي في مياة الخليج العربي مستغلا الفراغ الذي احدثه انهيار القوة القاسمية والسعودية واصبحت سلطت عمان نافذه على كافة القبائل العربية في هذا الحوض المائي.
مشاركة آل حرم في “وقعة المقطع” في جزيرة البحرين:
1816م (1231هـ) حاكم عسيلوه يدعم سلطان عمان السيد سعيد في مهاجمة جزيرة البحرين، انظر دليل الخليج القسم التاريخي، الجزء الخامس، الصفحة 2723. وقعة المقطع حرب بين آل خليفة حكام البحرين و آل بوسعيد سلاطين عمان، وجاء وصف هذه المعركة بأشكال عديدة وروايات مختلفة سنأتي إلى ذكر أشهر هذه الرويات التي لا تختلف في شيء، ولم تكن وليدة اللحظه بل كانت نتيجة لمسلسل طويل والاحداث التي ملخصها كالتالي:
أولا:
تمكن عرب العتوب ممثلين في اسرة آل خليفة من فتح جزيرة البحرين عام 1197هـ بعد هزيمة الشيخ ناصر بن مذكور بن ظاهر المطروشي، ونظرا لاضطراب الأوضاع عموما في الساحل الفارسي لم يتمكن الشيخ ناصر آل مذكور من استعادة الجزيرة من العتوب.
ثانيا:
في عام 1212هـ وصلت طلائع القوات السعودية إلى سواحل قطر و احتلت ميناء الزبارة فأضطر عرب العتوب إلى ترك الزبارة و الهجرة إلى جزيرة البحرين وتأسيس بلدة (جو)، وفي هذه الفترة تحرك سلطان عمان خوفا من اتساع النفوذ الوهابي في الخليج و احتل البحرين في عام 1217هـ تسانده فرقة من عرب آل حرم و آل نصور الذين أشارت لهم احدى الوثائق المعاصرة بلقب (الهوله)، إضافة إلى مقاتلين من عرب المطاريش بقيادة الشيخ رحمة بن غيث آل مذكور، وفتحوا جزيرة البحرين بدون فترك آل خليفة البحرين و انتقلوا إلى الزبارة.
ثالثا:
ثم تحالف آل خليفة في الزبارة شمال قطر مع الإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود وطردوا العمانيون من البحرين قرابة عام 1220هـ و انفرد القائد السعودي بحكم جزيرة البحرين و منع عنها أسرة آل خليفة.
رابعا:
في عام 1224هـ تحالف الشيخ عبد الرحمن بن راشد آل فاضل مع السيد سعيد سلطان مسقط لإخراج السعوديين من البحرين، فتحمس السيد سعيد للأمر فأرسل الشيخ عبد الرحمن بن فاضل آل خليفة إلى بر فارس لطلب النجدة من الشيخ جبارة النصوري، و بعد الاستعانة بالشيخ جبارة امر الشيخ جبارة عشيرة بني مالك (الموالج) بقيادة رجاء بن هزيم المالكي لمناصرة آل خليفة ضد السعوديين وفعلا تمكنوا من فتح البحرين و طرد السعوديين منها، ثم زحفوا على الزبارة و احرقوها كما و هاجموا خور حسان و اجبروا السعوديين و حليفهم الشيخ رحمة بن جابر الجلاهمة على الانسحاب من قطر إلى القطيف، حيث استقروا أخيرا في قلعة الدمام.
هذه باختصار شديد عرض اهم الإحداث السياسية التي سبقت و مهدت لحدوث وقعة “المقطع” التي نحن في صدد الحديث عنها.
التسوية السعودية البحرينية و أهم نتائجها:
وبعد أن خسر السعودييون السيطرة على جزيرة البحرين عام 1224هـ حاولوا استعادة الجزيرة بالتعاون من الشيخ رحمة بن جابر الجلاهمة و لكنهم فشلوا في ذلك نتيجة دعم سلطان عمان وعرب بر فارس للعتوب، ونظرا لانشغال السعوديين بالحرب مع القوات المصرية في منطقة الحجاز، لذا قرروا ايقاف الحملات ضد البحرين و عقد صلح بينهم وبين آل خليفة حاكم البحرين وكانت نتيجه هذا الصلح ايقاف السعودية دعمهم للعتوب المناهضين للخليفة في قطر و الدمام مقابل اعتراف شيخ البحرين بالتبعية الاسمية للحكومة السعودية و التعهد بدفع الزكاة، و فعلا تمت التسوية بين السعودية والبحرين، و نتيجة لذلك أحس رحمة بن جابر الجلاهمة بالضعف فاتصل بالسيد سعيد سلطان عمان و عرض عليه الدعم في حرب عتوب البحرين، و بعد أن علم الإمام تركي بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بهذا التحالف تحرك نحو الدمام و احرق قلعتها و طرد رحمة بن جابر الجلاهمة من الدمام فوصل الأخير لاجئ إلى بندر بوشهر و حل ضيفا لدى الشيخ محمد بن نصر آل مذكور، و في صيف 1231هـ هاجم سلطان عمان السيد سعيد جزيرة البحرين بجيشا مكونا من العمانيين و عشائر المطاريش آل حرم و آل نصور و الجلاهمة، وتفاصيل ذلك التالي:
وقعة المقطع:
قبل البدء بالحملة مباشرة استولى السيد سعيد سلطان عمان على عدد من السفن التابعة لعتوب البحرين، التي كانت راسية في ميناء مسقط بعد أن كانت في الهند قبل ذلك ومتجهه صوب جزيرة البحرين، وكانت هذه السفن “الجابري” ملك عبد الرحمن بن
راشد الفاضل الحليف السابق للسلطان عمان، وسفينة “التوكلي” ملك محمد بن صقر المعاودة و “السلطاني” ملك سيار بن قاسم المعاودة، وسفينة أخرى ملك محمد بن مقرن آل خليفة وبالفعل تم القبض على هؤلاء التجار والزج بهم في سجن في
قلعة (موزة الجلالي) شقيقة السيد سعيد.
و وفقا للتقارير الانجليزية المتعلقة بهذه الاحداث يذكر “لوريمر” بان السيد سعيد سلطان عمان هاجم جزر البحرين في صيف 1816م الموافق 1231هـ تسانده في هذه الهجوم سفن من بندر بوشهر (في إشارة إلى الشيخ محمد بن نصر آل مذكور زعيم المطاريش) و فصيلة من مقاتلي بندر كانجون (في إشارة إلى الشيخ جبارة النصوري حليف العتوب السابق الذي أرسل بني مالك في أحداث سابقة تم الإشارة إليها)، وفصيلة من مقاتلي بندر عسيلوه في إشارة إلى الشيخ سيف والشيخ حرمي شيوخ عرب آل حرم، وأما عن نتائج هذه الحملة فيذكر لوريمر بان الحملة فشلت فشلا ذريعا عن نزولها في جزيرة المحرق (
18]):
1]). وأما تفاصيل هذه الحرب في المصادر المحلية اعني البحرينية والقطرية فهي تغفل هذا الدور الذي لعبته هذه القبائل العربية، في حين يتم إبراز دور رحمة بن جابر الجلاهمة والسيد سعيد سلطان عمان، وفيما يلي الروايات المحلية لوقعة المقطع في حين أوصيك اخي القارئ قراءة الاحداث دون اغفال دور عرب آل حرم وآل نصور وآل مطاريش في هذه الحرب و اضافة اليهم العمانيون و بني ياس و الجلاهمة كطرف أول والعتوب والسعوديون كطرف ثاني …فهذا هو واقع الأحداث.
الرواية الأولى: رواية الشيخ محمد بن خليفة النبهاني ([19]):
يبدءا النبهاني الحديث عن وقعة المقطع بذكر الحسد والبغضاء الذي اشتعل به قلب رحمة بن جابر الجلاهمة نتيجة الظفر الذي
حازه آل خليفة، وهذا الوصف للنبهاني به خلل كبير ليس هذا محل الحديث عنه والتفصيل فيه ولكن الحقيقة هي سلسلة الأحداث التي اشرنا إلي جزء منها عند التمهيد لهذا الموضوع، و يتابع النبهاني حديثة عن وقعة المقطع بذكر اتصال رحمة بن جابر الجلاهمة بالسيد سعيد بن سلطان وتشجيعه على غزو البحرين، والحقيقة ان الموضوع لم يكن بهذه الكيفية التي يصورها لنا النبهاني، فالاحداث هنا كانت تدار على مستوى اكبر بكثير من الصورة التي تخيلها النبهاني حيث ان الاتساع السعودي والقاسمي او ما كان يعرب (بالوهابي) تسبب في تحالف الدولة العثمانية والفارسية والانجليزية على هدف واحد وهو تدمير هذه
القوة واما عن رحمة بن جابر الجلاهمة فقد كان (عود من طرف حزمه) في هذه القضية، ثم يذكر لنا النبهاني بان سلطان عمان جهز جيشا بحريا سار به نحو البحرين وطبعا لم يذكر النبهاني شيء عن هذا الجيش البحري سوى سلطان عمان و رحمة بن جابر الجلاهمة الذي كان في تلك الفترة تحديدا لاجئا عند الشيخ محمد بن نصر آل مذكور في بندر بوشهر، ويذكر النبهاني بأنهم نزلوا موضعا على ساحل مدينة سترة واستقاموا بها ثلاثة ايام ولم تبرز لهم جيوش البحرين فقال السيد سعيد لرحمه (عتوبك غابوا) أي ماتوا قاصدا بذلك تحقير قبيلة العتوب فغضب لذلك رحمة لأنه عتبي وقال له اذا أصبحنا ولم تظهر أعلامهم
فاعلم بأنهم غابوا و كان رحمة قد بلغه خبر مبيتهم في موضع يقال له (جدي علي) فلما اصبحوا ظهرت أعلام أهل البحرين من بين النخيل فقال رحمه للسيد سعيد (هؤلاء عتوبي ظهروا فتوكل على الله) وكان الشيخ سلمان قد خرج لهم بجيشين: مشاة تحت قيادته ومعه أخوه الشيخ عبد الله والجيش الآخر فرسان تحت قيادة ابنيه خليفة واحمد ابني سلمان فلم يك الا ساعة من نهار حتى اسفرت المعركة عن انكسار أهل مسقط فولوا الأدبار، وهذا تحديدا ما ذكره لوريمر بان سلطان عمان مقاتلين بوشهر و فيهم رحمه بن جابر ومقاتلين بندر كنجون و عسيلوه يعني آل حرم و آل نصور.
الرواية الثانية: رواية راشد بن فاضل البنعلي ([20]):
لا تختلف رواية راشد بن فاضل البنعلي عن رواية النبهاني الا في امور بسيطه سناتي اليها فيما يلي حيث يذكر البنعلي بان رحمه الجلاهمة اتصل بالسيد سعيد سلطان عمان واغراه في احتلال البحرين، والنظرة الاشمل للموضوع بانه سلسلة من الاحداث يجب النظر اليها مرتبطه حيث ان السيد سعيد كان سيغزو البحرين سواء اتصل به رحمه ام لا حيث ان السيد سعيد والانجليز و العثمانيون و المصريون و الفرس كان يعملون ضمن هدف واحد مشترك و هو القضاء على السعودييون وحيث ان البحرين خلال هذه الفترة تحالفت من السعوديين للتخلص من السيطرة العمانية على البحرين و ايقاف هجمات العتوب المنشقين في قطر والدمام، و على كل حال هذه الرواية بها بعض التفاصيل والتي منها ان اهل البحرين دفنوا درب القليعة بالحجر لتعويق تقدم السفن، فامر سلطان عمان عرب بني ياس بان يزيلوا تلك الصخور من طريق القليعة و استاجرهم عن كل تبة نصفتومان، حتى ازالوا الاحجار، فقالوا:
يا سيدنا الطريق صفت ونتيجة لهذه الكلمة سموا الطريق الصفه الى يومنا هذا، ثم دخلت المراكب و انزلت الجنود على سيف سترة، ومشوا الى المقطع الجنوبي وبرزت لهم بني عتية كافة رجالا وركبان على خيل أصايل، ويقال ما نفعت خيل البحرين منفعة كيوم وقعة المقطع، فان الشيخ خليفة بن سلمان فعل الهوايل في أهل مسقط، وقد صر الفريقان وكثر القتل في المسقطيين حتى ولوا الأدبار، وخاب أمل رحمه وبار، وقتل من اهل مسقط سالم اخو السيد سعيد و كثير من بني ياس وكثير من آل حرم
و آل نصور ايضا، ومن آل خليفة محمد بن ابراهيم و تسمى هذه الوقعة وقعة المقطع عام
1230هـ.
وفاة الشيخ سيف الحرمي:
ويبدو لي بان الشيخ سيف كان قد توفي قبل عام 1838م (1258هـ تقريبا) حيث ان المصاد تذكر اسم شيخ أخر لبندر عسيلوه هو الشيخ خلفان …. انظر (دليل الخليج القسم 5 تاريخي)
الهوامش
[1] . وثيقة حصر املاك المرحوم الشيخ ابراهيم بن
خلفان بن صقر بن محمد بن ماجد الحرمي.
[2] .
الشيخ السيف حاكم اعسلوه الذي نحن في صدد الحديث عنه لم يرد الحديث
عنه كاحد حكام قبيلة آل حرم في كتاب صهوة الفارس في تاريخ عرب فارس وانما جاءت
الاشارة الى شيخ أخر يدعى سيف بن محمد آل حرمي توفي في عام 1168هـ، انظر كتاب صهوة
الفارس في تاريخ عرب فارس، تاليف الشيخ عبدالرزاق محمد صديق، مطبعة المعارف، امارة
الشارقة، الطبعة الثالثة 1419هـ، الصفحة 142.
[3] . يوميات ديفيد سيتون، الصفحة 35.
[4] . جون مالكولم والقاعدة التجارية البريطانية في
الخليج 1800م، تاليف د. سلطان بن محمد القاسمي، منشورات الخليج للصحافة والطباعة
والنشر، امارة الشارقة، الطبعة الاولى 1994م، ص 2.
[5] . خرافة القرصنة العربية في الخليج، تاليف الدكتور
سلطان بن محمد القاسمي، ترجمة التجاني حسب الرسول النور، لجنة التراث والتاريخ،
فرع الشارقة، الجزء الاول (مخطوط)، الصفحة 47.
[6] . شركة الهند الشرقية البريطانية ودورها في
تاريخ الخليج العربي 1600-1858م، تاليف د. علي عبدالله احمد فارس، الطبعة الاولى
1997م، الصفحة 147.
[7] . دليل الخليج، القسم التاريخي، الجزء الخامس،
الصفحة 2785.
[8] . دليل الخليج، القسم التاريخي، الجزء الخامس،
الصفحة 2787.
[9] . دليل الخليج، القسم التاريخي، الجزء الخامس،
الصفحة 2788.
[10] . الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين،
تاليف حميد بن محمد بن رزيق بن بخيت (1275هـ/1858م)، تحقيق عبدالمنعم عامر و د.
محمد مرسي عبدالله، الطبعة الخامسة 2001م، الصفحة 387.
[11] . ملامح من التاريخ العماني، تاليف سليمان بن
خلف الخروصي، الطبعة الثانية 2002م، مكتبة الضمري للنشر، سلطنة عمان، الصفحة 179.
[12] . الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين،
تاليف حميد بن محمد بن رزيق بن بخيت (1275هـ/1858م)، تحقيق عبدالمنعم عامر و د.
محمد مرسي عبدالله، الطبعة الخامسة 2001م، الصفحة 422.
[13] . دليل الخليج، القسم التاريخي، الجزء الخامس،
الصفحة 2788.
[14] . خرافة القرصنة العربية في الخليج، تاليف د.
سلطان بن محمد القاسمي، الجزء الاول الصفحة 168.
[15] . دليل الخليج، القسم التاريخي، الجزء الخامس،
الصفحة 2795.
[16] . دليل الخليج القسم التاريخي، الجزء الخامس،
الصفحة 2796.
[17] . يوميات ديفيد سيتون في الخليج 1800-1809م،
تحقيق الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الصفحة 35.
[18] . دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، اعداد قسم الترجمة
بمكتب صاحب السمو امير دولة قطر، القسم التاريخي، الجزء الخامس، الصفحة 2723.
[19] . التحفة النبهانية، تاليف العلامة الشيخ محمد
بن خليفة النبهاني، دار احياء العلوم، بيروت، ط2 عام 1999م، الصفحة 98.
[20] . مجموع الفضائل في فن النسب و تاريخ القبائل،
راشد بن فاضل البنعلي، تحقيق حسن محمد ال ثاني، الطبعة الاولى 2001، الفرات للنشر
و التوزيع بيروت لبنان، صفحة 57.
[21] . تاريخ البحرين السياسي، فائق طهبوب، الصفحة
111.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.