
لندن- موقع كارون الثقافي- خاص- حامد الكناني-تناقلت القصص والحكايات والقصائد الشعرية حول الأوطان والأشخاص في منطقة الشرق الأوسط لآلاف السنين ، وقد ساهمت هذه القصص والحكايات والقصائد الشعرية في تدوين التاريخ المكتوب لدى شعوب المنطقة. لكن خبراء علم الآثار اكتشفوا خلال العقود الماضية الكثير من الحقائق التاريخية التي تتيح لنا فهم تاريخ منطقتنا العربية والحضارتين السومرية والعيلامية بشكل مستقل وبمعزل عن التاريخ المكتوب والمدون. جاءت أغلب مستجدات الأركولوجيا منافية للتدوينات التاريخية التي روج لها المستشرقون قبل قرنين تقريبا والتقطها منهم غير العرب مطلع القرن الماضي، وتم الترويج لها لغايات سياسية بغية تجريد العرب من ارثهم الحضاري.
والأركيولوجيا (Archaeology)، مصطلح يوناني يعني علم الآثار، يهتم بدراسة البقايا المادية لحياة الإنسان القديم، وغالبًا تكون هذه البقايا عبارة عن أحجار ورسوم وأدوات شكّلها الإنسان بأشكال مميزة، ثم اندثرت واندفنت مع مرور الزمن.
ويعد الكاتب والمؤرخ المعاصر ناصر بوربيرار اول المفكرين الإيرانيين الذين اعتمدوا على الأركولوجيا [علوم الآثار] لكشف زييف الخطاب الفارسي المهيمن لمدة أكثر من قرن على الساحة الفكرية المعاصرة. ركز بوربيرار على تاريخ إيران قبل الإسلام، فهو يعتمد ويركز على النقوش الحجرية التي كتبت في تلك الفترة، كمصدر معتمد. بينما يرفض الوثائق التي انتجت بعد قرون من دخول الإسلام، مثل الشاهنامة، حيث يعتبرها أساطير شعوبية حيكت من أجل مواجهة العرب والاسلام.
وعلى الساحة الأحوازية تمكن المؤرخ الأحوازي حسين فرج الله ومن خلال زياراته الميدانية للمواقع الأثرية في مختلف مناطق الأحواز وايضا كتبه وبحوثه العلمية، من كشف الكثير من الحقائق التاريخية التي تثبت ان الحضارة العيلامية هي حضارة أحوازية بامتياز.
قبل فترة حدثني صديق من نشطاء احد الشعوب غير الفارسية في إيران، زاعما ان ليس الحضارة العيلامية وحدها حضارتهم، بل حتى السومرية تعود لهم. قلت له ان هناك فارق زمني كبير جدا وفجوة زمنية كبيرة لا يمكن ردمها بسهولة بين ظهور هذين الحضارتين ، ودخول الآريين ونزوح القبائل الآرية من ماوراء القوقاز والهند للهضبة الإيرانية، وتؤكد الشواهد التاريخية انكم آخر الشعوب المهاجرة التي دخلت هذه الجغرافيا. وحتى ان قبلت كلامك صديقي؛ لدى بعض الأسئلة وهي؛ هل تصنعون المشحوف وتجيدون حياكة البارية والمفارش وتشيدون بيوت من القصب وتزرعون النخيل وتصطادون السمك بالفالة وتربون الجاموس؟.
قال لا اعرف شيئا عن كل هذا.
قلت له إذن زعمكم باطل صديقي العزيز، لان الأركولوجيا، اي علوم الآثار الحديثة تنفي كل مزاعمكم الباطلة.
أدناه وثيقة تعود للأرشيف البريطاني ومنشورة على موقع مكتبة قطر الرقمية وفيها الحديث عن قرار الحكومة الإيرانية عام 1934م اطلاق تسمية عيلام على بلدة تقع خارج حدود عيلام التاريخية.
محافظة عيلام خارج منطقة عيلام التاريخية
اعتمدت الحكومات الفارسية ومنذ سيطرتها على مقدرات الشعوب غير الفارسية ومواطنها التاريخية سياسة تغيير الأسماء ومحو المعالم غير الفارسية خاصة في المناطق العربية والتُركية بغية طمس هوية تلك المناطق وصهرها في البوتقة الفارسية، ولم تختصر سياسة الاجتثاث الثقافي هذا على تغيير الأسماء فقط بل مورست سياسة التضليل بجانبها أيضا، فالأحواز التي كانت تعرف في الوثائق الفارسية ولدى الفرس بشكل عام باسم “عربستان” حلت محلها تسمية “خوزستان” وهذا أمر عادي لكن اتضح الخبث أكثر حين أطلقوا تسمية “عربستان” على إحدى دول الجوار وهي المملكة العربية السعودي التي كانت تعرف بـ “مملكث عربي سعودي” . وبالتزامن مع اطلاق تسمية خوزستان على عربستان، صارت “المملكة العربية السعودية” تعرف بـ “عربستان سعودي”.
اما التضليل الثاني هو فصل منطقة واسعة من أراضي الأحواز الواقع في الشمال وضمها إلى بلدة غير عربية وإطلاق تسمية “عيلام” على بلدة [ده بالا] الواقعة في منطقة بشتكوه، وهي منطقة غير عربية تقع خارج منطقة عيلام التاريخية. والغاية هذه المرة خلط الأوراق وحث الجوار الأحوازي على مصادرة إرث عيلام الحضاري وهو إرث حضاري احوازي دون أدنى شك أو ترديد. والصحيح هو ان هناك اجزاء من شرق عيلام وشمالها تعرضت لاحتلالات اخمينية [فارسية] وميدية [كُردية]، فتعرضت هوية السكان الساميين في هذين الجزئين للتفريس والتكريد.
تشير هذه الوثيقة إلى التضليل الفارسي المتعمد لإطلاق تسمية عيلام التاريخية على منطقة [ده بالا] بعد ما عجز علماء الآثار والمؤرخون ربط الحضارة العيلامية بالفرس والعرق الآري الذي دخل المنطقة العربية عام 539 قبل الميلاد محتلاً.

“بالإشارة إلى خطاب وزارة الخارجية رقم L 3433/41/405 الصادر في 5 يوليو الماضي [1934] بشأن التغييرات في أسماء الأماكن في بلاد فارس ، وجهني السكرتير السير جون سيمون لأذكر معلومات اللجنة الدائمة المعنية بالأسماء الجغرافية التي قدمها صاحب الجلالة. تم إخطار الوزير في طهران من قبل الحكومة الفارسية بأن اسم حسين آباد في بشتكوه قد تم تغييره وأنه في المستقبل سوف يطلق عليه “شهر – عيلام”. ومع ذلك ، ونتيجة للاستفسارات التي أجراها وزير جلالة الملك ، فقد أصبح من الواضح أن “الشهر” ليس جزءًا من الاسم ، لذا يجب إظهار المكان على أنه “Elam”. للتنويه فقط؛التحويل الصوتي الصحيح للاسم هو “إيلام” ، على الرغم من أنك قد تفضل الاحتفاظ بكلمة “عيلام”، حيث يعتبرها الفرس استمرارًا اسم مملكة عيلام القديمة.
مجموعة ٢٨/ ٨٤ “إيران. التغييرات في أسماء الأماكن الإيرانية.”المكتبة البريطانية: أوراق خاصة وسجلات من مكتب الهند. مكتبة قطر الرقمية IOR/L/PS/12/3488
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.