
مقتطفات من مذكراتي في السجن
الحلقة 3
تتعدّد معاناة الأسرى في سجون الإحتلال الفارسي ولكنّي أريد الحديث هنا عن الوحوش التي كانت تبثّ الرعب في ليالي سجون كارون وتسلب النوم والراحة النسبيّة من السجناء. النوم الذي كان السبيل الوحيد للتخفيف عن الهموم وتحرير الروح من الأسر وخروجها من السجن ولو لثوان أو لدقائق أو لساعات، وذلك رغم أنه وبعد مرور سنوات من السجن، فحتّى الأحلام تكون حبيسة السجن هي الأخرى ونادراً ما نحلم بذكريات حدثت خارج السجن.
وعودةً إلى هذه الوحوش التي تسلب النوم والراحة من السجناء، والتي تسمّى بالعربية “بق” أو “بق الفراش” كما تسمّى بالإنجليزية “Bed Bug” وإسمها العلمي هو “cimex lectularius“،أمّا تسميتها بالفارسيّة فهي “ساس”، وهي عبارة عن حشرة صغيرة عديمة الأجنحة تتغذى من الدم وتعيش في مكان نوم ضحاياها، تخرق جلد ضحيتها بإبرتها الحادة التي تستخدم أيضا في إمتصاص الدم، وتسبب لدغتها في بعض العوارض منها:
- فقر الدم وإصفرار وجه الضحية.
- حساسية جلدية شديدة تصيب ٢٥٪ من الأشخاص
- الحكة والألم الشديد.
- قلة النوم أو إنعدامه لدى البعض.
- الرائحة النتنة والكريهة التي تسبب الغثيان.
مواصفات بق الفراش:
طولها وعرضها لا يتجاوز الـ: ٥ ميلي متر ولونها بُنّي يميل إلى الأحمر، جسدها بيضوي مسطح، ولون صغارها غير البالغة هو الأصفر الفاتح. ونظراً لصغرها تختبئ في الشقوق الصغيرة والثنيات وفي الفراش وبين أسلاك السرير أو ألواح الأرضيات أو شقوق الجدران وكذلك الملابس والأمتعة. تضع الأنثى البالغة ٢ إلى ٣ بيضات في كل مرّة وخلال عمرها بين ٢٠٠ إلى ٥٠٠ بيضة ويفقس البيض خلال ٩ إلى ١٠ أيام ويكتمل النموّ خلال شهرين. ويحتاج البق إلى ٣ أو ٤ لدغات في أماكن متقاربة خلال عشر دقائق ليشبع من دم الضحية، ويستطيع كذلك الجري مسافة مئة قدم، ويمتلك القدرة على العيش لـ: ٥٠٠ يوم بدون طعام.
السجناء والبق
يهتم السجين منذ الصباح بأمور كثيرة لست بصدد شرحها ولكن مع غروب الشمس يكون اهتمامه الأول تنظيف وتفتيش السرير والفراش بشكل يدوي لعل يصطاد بعضاً من البق قبل أن يصبح ضحيّته في منتصف الليل، فمع مرور الوقت اكتسب السجناء القدماء بعضاً من الخبرة في مراكز تجمّع البق قبل النوم والقضاء عليه ولو بشكل جزئي، ولكن مع مرور الأيام يصبح الوضع لا يطاق وفي الصباح يتبادل السجناء الحديث عن اللدغات التي نالوها خلال الليلة الماضية، وآثار الدم على جلد والملابس والفراش، وعادة ما نجد آثار الدم والبقع الداكنة على الملابس والملاحف البيضاء. ومن يستيقظ في منتصف الليل يسمع أنين وآهات وآلام السجناء بسبب اللدغات القوية التي يتلقاها بعض النزلاء. لا أستطيع وصف الحالة بشكل كامل لمن لم يجرّبها ولكن يكمن ان تتصور المها كانها عدة اشخاص وفي كل ليلة يطفئون سجائرهم في أماكن حساسة من جسد الاسير وهو في عزّ النوم.
كان سجن كارون مصمّماً لإستيعاب نحو ٨٠٠ سجين، ولكن سلطات الاحتلال الفارسي زجوا به حوالي ٤٥٠٠ سجين في بيئة مظلمة ورطبة وجدران مهترئة، بمعنى أنها البيئة الأنسب لتربية الطفيليات والحشرات. وعندما كان يأتينا سجناء جدد كنا ننظر عليهم نظرة الشفقة في الليلة الأولى، ولكن ليست بيدنا حيلة للدفاع عنهم أمام الوحوش التي سوف تجتاح أجسادهم في الليل، كما لا نستطيع تخويفهم أكثر من حد اللازم.
مكافحة البق
بين فترة وأخرى ومع ارتفاع الإصابات وشكوى السجناء من لدغات البق، تأذن لنا إدارة السجن في عملية مكافحة البق التي سوف تستمر طوال النهار. حيث نقوم بمكافحة البق بطرق مختلفة منها إخراج الملابس والفراش والبطانيات في الشمس وتعريضها للهواء، تسخين السرائر بمشعل من نار، استعمال مبيد الحشرات وأنواع السموم، وأخيراً غسل الجدران والسرائر والأرضية بالقاصر ومواد التنظيف. ولكن كل هذه الإجراءات، تخفف عنا اللدغات لبضعة أيام أو أسابيع فقط، ومن ثمّ تعود إلينا وحوش الليل وتتكاثر من جديد.
كان الكثير منا يعاني من لدغات البق، ولكني أتذكر منهم الشهيد هاشم شعباني والأسير سيد صادق (عليرضا) نزاري والأسير المحرّر مسعود دغاغلة وغيرهم. تذكر أيها القارئ عندما تنام بالقرب من اهلك واطفالك في مكان دافئ ونظيف وهادئ كان هناك العديد من الشهداء ولايزال المئات من الأسرى ليس همهم الحكم القاسي الذي صدر بحقهم ورفاقهم او لا يحزنهم فراق الأهل والأحبة ولا حتى ربما عدم حصوله على وجبة العشاء بسبب ردائة الطعام في السجن لا بل اقل بكثير من ذلك ويمكنني ان اجزم في بعض الأحيان اماني واحلام هؤلاء الاسرى ليس الا الحصول على ساعة نوم هادءة بعيدا عن لدقات تلك الحشرة.
المصدر: مركز دراسات دور انتاش (DUSC)
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.